منقسمٌ هذا العالم. بعد ليلةٍ غير هانئة من التوقعات، حصل #العدوان_الثلاثي على عاصمة الياسمين دمشق. بدا الأمر سريعاً وانتهى كما بدأ. لا نرى الخسائر كبيرة مقارنةً مع ما توقعناه، لذلك تبدو الأمور حسنةً؛ لأن المقاومات: أي مقاومات، تنتصر بمجرّد بقائها على قيد الحياة. فكما انتصر عبدالناصر إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، بمجرّد صموده ومصر خلفه أمام عدوان متوحش، وكما صمدت المقاومة في لبنان إبان عدوان/حرب تموز العام 2006، وبقيت على قيد الإستمرارية والفعالية، واعتبرت تلك الوقفات: انتصارات. لايمكن رؤية ما حدث في سوريا البارحة أقل من ذلك البتة. بقيت سوريا واحدة، وبقي الجيش العربي السوري درعاً واقياً، وبقي الدولة السورية صامدة حرة. منقسمٌ هذا العالم، حينما نرى مثقفاً، مهماً، غير مسيء، لا يفهم حتى اللحظة تبعات المعركة في سوريا وضوابطها وما حدث فيها خلال السنوات الماضية؛ فمن لم ير ما حدث أو لم يفهمه لا يمكن إلا أن يكون واحداً من إثنين: إما واهمٌ غير مدرك، أو مجرّد بوق طائفي تافه. لدى النظام السوري أخطاء كثيرة، هذا أمرٌ لا نقاش فيه، لديه عيوب؟ بالتأكيد؛ لكن حتى اللحظة هو الممثل الشرعي والوحيد للدولة بشكلها المعروف، للبلد كما نعرفه ويعرفه أهله. كل خلافٍ لذلك هو لذر الرماد في العيون إذ ليس هناك طرفٌ واحدٌ في ما يسمّى المعارضة السورية (على جميع أطيافها) يمتلك أفقاً أو ألقاً شرعياً أو تطبيقياً أو منطقياً كي يقال عنه أنه "يمكن أن يكون بديلاً فعلياً عن دولة حقيقية". هل نريد إعادة تجربة العراق المحتل أميركيا؟ ماذا عن ليبيا؟ هل يعتقد متفاءلوا/مطبلوا الثورة السورية الموجودين بمعظمهم في أوروبا اليوم بأنه من الممكن أن يقوم نظامٌ في سوريا -إذا ما حدث أن سقط النظام الحالي- يختلف عن تجربة أفغانستان أو العراق أو ليبيا؟. منقسمٌ هذا العالم بشدة. يريد منا المطبلون عينهم أن نغلق عقولنا، أن نصدٌّق كل الأكاذيب التي أشاعها الأميركي منذ احتلاله للعراق حينما تحدّث عن أسلحته للدمار الشامل، والتي لم تكن موجودة. يريدون أن نصدّق أكاذيب "الرسائل" التي كانت ترميها طائرات الإحتلال الصهيوني إبان العام 2006 تتحدّث عن فساد حزب الله وإجرامه بحق المدنيين. للمفارقة يومها كانت "الجزيرة"(ومن لف لفيفها) معنا في ذات المحور، فلم يحدث "تشويه" و"تطبيل" وتغيير حقائق مطلق كما حدث لاحقاً في سوريا؛ وفعلياً لو أنّ الجزيرة كانت "ضدنا"؟ لكنا اليوم نرى حزب الله ومقاتليه يمتلكون "الكيماوي" و"النووي" ولربما حتى "قنبلة هيدروجينية مخبأة في أقبية محلات عصير الرضا في الضاحية الجنوبية". يريدون أن نصدّق كل أكاذيب الكيماوي في "حلب/الغوطة/حمص/دوما"(والحبل على الجرار)، يريدون أن ننسى أبو صقّار آكل القلوب، وحجي مارع من باع ثروات أهل حلب للأتراك، وزهران علوش واضع النساء والأطفال السوريين في أقفاص لحمايته وحماية قطعان مقاتليه من القصف. يريدون أن ننسى كل هذا لمجرّد أن هناك أبواق اعلامية تطبّل لما يريده الأميركي. ودائماً هي لعبة "ال6 و6 مكرر". يشرحون لنا بأنَّ هؤلاء القتلة أفرزتهم الظروف، ينسون أننا أبناء نفس الظروف، ولم نتحول قتلةً، لم نصبح وحوشاً. يخبروننا بأن الجيش السوري يحارب "بالقمع" وينسون أن مقاتلوا يقاتلون في ظروفٍ بائسةٍ في غالبية الأحيان، وبصلابةٍ مدهشة. يريدون أن ننسى أنّهم لا ينتظرون مكافآت سوى تحرير بلادهم. ليسوا ملائكةً نعرف، وليسوا آلهةً، لكنهم ليسوا خطاة. أكرر: نعرف أن هناك تجاوزات، وأخطاء، وهفوات لكن تذكيراً فحسب: قتلت الثورة الفرنسية –رمز الحرية والديمقراطية والتحرر في العالم- أكثر من مليون شخص أثناء "إفرازها" للناس بين مع وضد. المشكلة في هذه الفكرة أن "المثقف" عينه الذي "يشتم" النظام السوري، وخصوصاً ذلك الجالس في دفء منزله، يتقبّل الأمر، ويعتبره "صيرورة تاريخية" وحدثاً "ضرورياً آنذاك"، وأن "اليوم" يختلف؛ حتى إن واحداً من هؤلاء "خجل" اليوم من إعلان أنه مع انتصار سوريا، فأعلن أنه ضد العدوان على سوريا، ولكنه ضد النظام! رائع، سنسجّل موقفك "التاريخي" الأبله هذا؛ باعتبار أنَّ من انتصر اليوم في سوريا هو التراب والحجارة فحسب، وليس البشر والمقاومين من الجيش العربي السوري. منقسمٌ هذا العالم، لكننا ندرك أين مكاننا، وندرك أننا منتصرون، فالمقاومات دائماً منتصرة. لا ترضي المقاومات أحداً، فهذا ليس دورها، و هي أصلاً وأبداً لا تكون كاملة، لكنها على الأقل تحاول أن تدافع عن شعبها. اليوم، تأتي الدولة السورية دولةٌ مقاومة بقدّها وقديدها، فهي الحصن الأخير للدولة التي نريدها ونحميها للشعب السوري. لجميع الشعب السوري، من يريد، ومن لايريد. ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح. كاتب لبناني