في ظل تصاعد جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وخاصة في ظل الحراك الفلسطيني الذي انطلقت شرارته مع انطلاق "مسيرة العودة الكبرى" الجمعة الماضية، لم تكتفِ الدول العربية والإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تصور نفسها على أنها "رمز العروبة"، بالصمت والخذلان على هذه الجرائم، وترك الشعب الفلسطيني المقاوم فريسة في مواجهة مخالب الإرهاب الصهيوني، بل إن قياداتها اتخذوا بعض المواقف التي تعتبر استكمالًا لمسيرة تطبيعية، تعود جذورها إلى عقود مضت. "بن سلمان" وإسرائيل.. غزل غير عفيف قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إن السعودية ليس لديها أي اعتراض ديني على وجود اليهود وإسرائيل، أو أن يعيش الإسرائيليون جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين، وأضاف "بن سلمان" في مقابلة مع مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية: نبينا محمد تزوج امرأة يهودية، وجيرانه كانوا يهودًا، وستجد الكثير من اليهود في المملكة العربية السعودية قادمين من أمريكا وأوروبا، لا توجد مشاكل بين المسيحيين والمسلمين واليهود. مشيرًا إلى أن الشعب اليهودي لديه الحق في أن تكون له دولة ووطن فوق جزء من أرض أجداده، لكن يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام؛ لكي يتأمن الاستقرار للجميع، ولكي تكون هناك علاقات طبيعية. أما بالنسبة لمصير الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية فاكتفى الأمير السعودي بالقول إنه "لديه مخاوف دينية بشأن مصير المسجد الأقصى في القدس وبشأن حقوق الشعب الفلسطيني"، وأضاف بن سلمان: إسرائيل هي اقتصاد كبير مقارنة بحجمها، واقتصادها ينمو بقوة، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من المصالح التي تتقاسمها بلاده مع اسرائيل، وأنه إذا كان هناك سلام، فسيكون هناك المزيد من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون، إضافة إلى دول أخرى مثل مصر والأردن. في المقابل وضع "بن سلمان" المقاومة العربية بكل أشكالها في صف الدول المهددة لبلاده والمنطقة، وساوى بينها وبين التنظيمات الإرهابية، أمثال داعش والقاعدة، حيث قال "لا يمكننا المخاطرة بالأمن القومي السعودي، نعيش في منطقة فيها داعش والقاعدة وحزب الله وحماس وإيران". تصريحات "بن سلمان" المثيرة للجدل تأتي خلال زيارة سعودية طويلة المدى يقوم بها ولي العهد لأمريكا، حيث وصل "ابن سلمان" إلى واشنطن في 19 مارس الماضي، ولا يزال يمكث هناك، وهي الزيارة التي لا تزال نتائجها غير معلنة رسميًّا، إلا أن العديد من المراقبين أكدوا أنها تمهيد لإقرار ما تبقى من "صفقة القرن"، التي ينوي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تنفيذها في أسرع وقت، تزامنًا مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 15 مايو المقبل. السعودية.. هرولة نحو التطبيع على الرغم من أن المؤشرات والمواقف السابقة للسعودية، خاصة بعد تولي الملك "سلمان بن عبد العزيز" شئون المملكة، تؤكد وجود تطبيع سياسي وثقافي ودبلوماسي وعسكري أيضًا مع الاحتلال الصهيوني، بل إن المملكة باتت عرابة التطبيع في الشرق الأوسط، وخاصة في المنطقة الخليجية، إلا أن تصريحات ولي العهد السعودي شكلت صدمة كبيرة بالنسبة للعديد من المتابعين، حتى إن الصحفي "جيفري جولدبرج"، الذي أجرى الحوار مع "بن سلمان"، أكد أن الأمير الشاب لم يتفوّه بكلمة سيئة حول إسرائيل، وأشار الصحفي مستغربًا: تحدث العديد من القادة العرب "المعتدلون" عن حقيقة وجود إسرائيل، لكن الإقرار بأي نوع من الحق في أرض الأجداد اليهود كان خطًّا أحمر، لم يعبر عنه أي زعيم حتى الآن، وانفرد به ولي العهد السعودي. اللافت هنا أن تصريحات "بن سلمان" تأتي في ذروة اشتعال مواجهات بين قوات الاحتلال الصهيوني والشعب الفلسطيني، الذي خرج في مسيرات سلمية منذ الجمعة الماضية للتعبير عن حقه في أراضيه المحتلة، فيما واجهه الاحتلال بالقوة الغاشمة، مرتكبًا جرائم وانتهاكات بحق الفلسطينيين، الأمر الذي أسقط حتى الآن 18 شهيدًا وما يقرب من 1500 جريح، ناهيك عن حملات الاعتقال التي طالت العشرات، لكن يبدو أن تلك الأحداث المشتعلة لم تصل إلى مسامع ولي العهد السعودي في أمريكا، حتى إنه لم يتباكَ على الشهداء الفلسطينيين على غرار غيره من حكام وقادة الدول العربية، ولم يذكر حقوقهم بعبارة مفيدة. تصفية القضية الفلسطينية.. توريث سعودي الجدير بالذكر أن ولي العهد السعودي امتنع منذ سنوات عن إعلان رؤيته صراحة بشأن القضية الفلسطينيةوالقدس، وهو الأمر الذي دفع المراقبين إلى وصف موقف "بن سلمان" بأنه "سكت دهرًا ونطق كفرًا"، فمنذ ثلاث سنوات ينتظر العالم الاطلاع على رؤية ولي العهد الذي أصبح على بُعد خطوات من تولي مسئولية العرش السعودي، لكن بوادر هذه الرؤية ظهرت في تصريحات سابقة عن إسرائيل، وخلال زيارة سرية قام بها في سبتمبر الماضي لتل أبيب، لتكون أول زيارة من قائد عربي رفيع للاحتلال الصهيوني. النهج الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية في تطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان فجًّا ومُعلنًا بشكل مستفز، إلا أنه لم يكن جديدًا، فهذا هو نفس النهج الذي سار عليه أباؤه وأعمامه وأجداده، فمؤسس المملكة العربية السعودية وأول ملوكها "عبد العزيز آل سعود" كان متعاطفًا مع اليهود والإسرائيليين، وهو ما ظهر في الوثائق التاريخية الممهورة بتوقيع "عبد العزيز" نفسه، والتي لا يمانع فيها من "إعطاء فلسطين للمساكين اليهود" على حد زعمه، ويؤكد فيها أيضًا أنه لن يخرج "عن إرادة بريطانيا حتى تصيح الساعة"، وهي الوثيقة التي أظهرت تنازل المملكة عن فلسطين وإعطاء أرض عربية لليهود نزولًا على الرغبة البريطانية حينها.