لا تزال تركيا تحاول اللعب مع القارة الأوروبية بأوراق الضغط التي تملكها، فبين الحين والآخر يلوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بورقة جديدة لإجبار أوروبا على التفاوض وتقديم التنازلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى أنقرة، ومعالجة النقاط الخلافية بين الطرفين بما يرضي الغرور التركي، ومن بين تلك الأوراق، ورقة اللاجئين، حيث تعتبر الورقة الرابحة التي تلعب عليها أنقرة منذ سنوات، وهاهي تُخرجها مجددًا لتمارس المزيد من الابتزاز لإخضاع القارة العجوز لشروطها. ابتزاز جديد أعلن الرئيس أردوغان، اليوم الثلاثاء، أنه سيطلب من الاتحاد الأوروبي ما تبقى من المبالغ المخصصة للاجئين السوريين خلال محادثات في بلغاريا الأسبوع المقبل، حيث سيلتقي مسؤولو الاتحاد الأوروبي مع أردوغان، في مدينة فارنا ببلغاريا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد، في 26 من مارس الجاري، لبحث علاقات تركيا بالاتحاد فضلًا عن القضايا الإقليمية والدولية. ولوح أردوغان، في حديثه الاستباقي للاجتماع، بعملية ابتزاز جديدة يطبخها الرئيس التركي في مواجهة الاتحاد الأوروبي، قائلًا: الوعود التي قدمت لنا أخلفت، قالوا إنهم سيعطوننا 3 مليارات يورو إضافة إلى 3 أخرى من الدعم، لكن لم يدخل خزائننا حتى الآن سوى 850 مليون يورو، إذا كنتم ستقدمون تلك الأموال فلتفعلوا، فهذه الأمة لديها كبرياء ولا يمكنكم العبث بكبريائنا. في ذات الإطار، جددت تركيا مطالبتها للاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات ملموسة فيما يخص مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي، وإعفاء مواطنيها من تأشيرة دخول دول الاتحاد "شنغن" وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، ولفتت وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي التركية، في بيان أمس الإثنين، إلى أهمية اتفاقية إعادة قبول اللاجئين والهجرة غير الشرعية الموقعة بين أنقرة وبروكسل في 18 مارس 2016، وأشار البيان إلى أن عدد المهاجرين يوميًا من تركيا إلى الجزر اليونانية تراجع إلى 43 مهاجرًا في الوقت الراهن، بعد أن كان 7 آلاف في أكتوبر عام 2015، بفضل اتفاقية اللاجئين والهجرة. توترات أوروبية تركية يبدو أن أردوغان بصدد إخراج ورقة اللاجئين مجددًا لابتزاز الدول الأوروبية، وذلك بعد أن توترت العلاقات بين الطرفين مؤخرًا على خلفية العملية العسكرية التي تنفذها تركيا في الشمال السوري وبالتحديد في مدينة "عفرين" تحت مُسمى "غصن الزيتون"، فتهديدات أردوغان الأخيرة جاءت بعد يوم واحد من انتقاد وجهه الاتحاد الأوروبي إلى أنقرة بعد إعلانها الاستيلاء على مدينة عفرين السورية بشكل كامل، حيث طالب الاتحاد أنقرة بعدم تمديد النزاع إلى مناطق أخرى، وقالت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موجريني، أمس الإثنين: أنا قلقة جدًا من هذا الوضع، مضيفة أن الجهود الدولية في سوريا من المفترض أن تهدف إلى إزالة التصعيد العسكري هناك. في ذات الإطار، فإن الانتقادات التي وجهتها موجريني، إلى أنقرة جاءت بعد أن صادق البرلمان، الأسبوع الماضي، على مشروع قرار أعدّه تحالف المجموعات الديمقراطية المسيحية، والديمقراطيون الاجتماعيون، والمحافظون والليبراليون والمنتمون إلى أحزاب الخضر في البرلمان الأوروبي، يدعو تركيا إلى إيقاف عملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها في يناير الماضي، حيث طالب القرار الذي صوت عليه البرلمان الأوروبي بأغلبية الأصوات في 15 مارس الجاري، تركيا بسحب قواتها من عفرين، ووقف هجماتها على المدينة التي تحوي قرابة مليون مدني، كما طالب القرار الأوروبي بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا. وجاء في القرار الذي يُعد الثاني من نوعه الذي يطالب فيه البرلمان الأوروبي تركيا بوقف عدوانها، أن "البرلمان الأوربي قلقٌ من تدخل تركيا في المناطق التي يديرها الكرد"، وأشار إلى أن "الهجمات التركية على عفرين تضيف بعدًا جديدًا للصراع في سوريا، وتؤثر بشكل سلبي على الجهود المبذولة للتوصل إلى حل في سوريا، وتؤثر على التوازنات الداخلية الدقيقة وتفتح الطريق أمام تزايد القلق". القرار الأوروبي أثار غضب وسخط أردوغان، الذي رد عليه بانتقادات لاذعة، حيث قال: "أيها البرلمان الأوروبي، متى كنت مخولًا لتقديم التوجيهات لهذا الشعب؟ احتفظ بهذه التوجيهات لنفسك"، وأكد أردوغان أن "بلاده لن تكترث لأي قرارات يتخذها البرلمان بهذا الاتجاه"، مشددًا على أن القرار الأخير "لا قيمة له بالنسبة لتركيا"، وأضاف: نحن من يحتضن 3.5 ملايين سوري منذ 7 أعوام، ولو فتحنا أبوابنا وأرسلناهم لكنتم تبحثون عن جحور تختبئون داخلها، ثم توسلتم إلينا كي لا نفتح الأبواب، ونحن تحلينا بالإنسانية، ولكن أنتم لا تفقهونها. بعيدًا عن الملاسنات والانتقادات الأخيرة المتبادلة بين البرلمان الأوروبي والرئيس التركي، فإن الأخير يحمل الكثير من مشاعر الغضب والسخط لدول القارة العجوز، حيث كان يتوقع أن تظهر الدول الأوروبية دعمها المُطلق لحملته العسكرية ضد الأراضي السورية "غصن الزيتون" أو على الأقل الوقوف بجانبه في أزمته السياسية والدبلوماسية والعسكرية مع الولاياتالمتحدة، لكن ردود الفعل الأوروبية لم ترض الغرور التركي، فإلى جانب الانتقادات التي وجهتها الدول الأوروبية إلى تركيا على خلفية هذه العملية العسكرية، اختارت أوروبا النأي بنفسها عن الصراع التركي الأمريكي في الشمال السوري، وهو ما ظهر في عدم تلبية حلف شمال الأطلسي "الناتو" لدعوة أردوغان الدخول إلى سوريا والوقوف إلى جانب القوات التركية هناك، الأمر الذي كان سيضعها في صدام حتمي مع القوات الأمريكية المتواجدة هناك أيضًا. انتقد الرئيس التركي في 11 مارس الجاري، بغضب حلف شمال الأطلسي متهمًا التحالف العسكري الغربي بعدم دعم الحملة العسكرية التركية ضد المقاتلين الأكراد في سوريا، وقال: "أيها الحلف الأطلسي، بالنسبة لما يحدث فى سوريا، متى ستأتون وتقفون إلى جانبنا؟"، وتابع "نحن نتعرض باستمرار للمضايقات من جانب الجماعات الإرهابية لكن للأسف حتى الآن، لم تكن هناك كلمة أو صوت إيجابي"، متسائلًا: هل هذه هي الصداقة؟ هل هذه هي وحدة حلف الأطلسي؟، مُذكرًا بالدعم التركي للحلف الأطلسى في عملياته العسكرية في أفغانستان ومناطق أخرى. نقطة الضعف الأوروبية يدرك الرئيس التركي يقينًا أن الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل أساسي على تركيا في المساعدة على الحدّ من تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وهنا تكمن نقطة الضعف الأوروبية، فأردوغان لم يتوان لحظة عن استخدام ملف اللاجئين واتفاق الهجرة كورقة ضغط على أوروبا في حال نشوب خلافات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية بين الطرفين، وهو ما ظهر في وقت سابق عندما وقع خلاف تركي أوروبي بشأن رفع التأشيرات عن دخول الأتراك إلى أوروبا، حيث هدد حينها الرئيس التركي والقيادات في الدولة بفتح الحدود أمام اللاجئين، كما ظهر أيضًا خلال الأزمة التركية مع بعض دول الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء على تعديلات الدستور التركي في إبريل الماضي، التي اعتبرتها أوروبا مقدمة لتكريس نظام ديكتاتوري في تركيا. يذكر أن تركيا وافقت بموجب اتفاق أبرمته مع دول الاتحاد الأوروبي في مارس عام 2016، على منع تدفق طالبي اللجوء من تركيا إلى الدول الأوروبية، وتعهدت أنقرة بموجب الاتفاق باستعادة المهاجرين الذين سافروا بطريقة غير قانونية إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومنع المهاجرين غير الشرعيين من العبور إلى اليونان، في مقابل منح الاتحاد لتركيا معونات لمساعدتها في استيعاب اللاجئين، تصل تدريجيًا إلى 6 مليارات يورو، إضافة إلى إلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك بعد استيفاء 73 شرطًا، من بينها تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التي يعتبر الاتحاد الأوروبي أن السلطات التركية تستخدمها للضغط على المعارضين، وتسريع محادثات الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي.