محاولة جديدة لإعادة إحياء الفتنة الفلسطينية وخلق عداء جديد بين قطبي المجتمع الفلسطيني المتمثل في حركتي "فتح" و"حماس"، حيث جاء استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، ليعيد التوترات إلى الداخل الفلسطيني ويُفشل أي محاولة لتوحيد الشعب وراء قيادته، وهو ما حققته حركة "فتح" بتوجيهها اتهامات مسبقة ل"حماس" وإعادة شق الصف الفلسطيني الذي كان على وشك التوحد، الأمر الذي يمثل هدية ثمينه للاحتلال الصهيوني. استهداف موكب الحكومة قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني، إياد البزم، إن انفجارًا استهدف، أمس الثلاثاء، موكب رئيس حكومة الوفاق رامي الحمد الله، ورئيس الاستخبارات العامة ماجد فرج، لدى وصولهما قطاع غزة، مما أدى لإصابة 7 أشخاص، وقع الانفجار أثناء مرور الموكب في منطقة بيت حانون شمال قطاع غزة، وأوضح البزم، أن الموكب استمر في طريقه حيث كان متوجهًا لافتتاح محطة تنقية مياه، مؤكدًا أن الأجهزة الأمنية تحقق في ماهية الانفجار. في أول تعليق له بعد عملية الاستهداف، أكد رئيس الوزراء رامي الحمد الله، أن تفجير عدة سيارات قرب معبر بيت حانون شمال قطاع غزة، لن يزيده سوى إصرارا على مواصلة الخلاص من الانقسام، وقال، خلال افتتاح محطة الصرف الصحي في الشمال، أمس الثلاثاء: استهداف موكب حكومة الوفاق الوطني في غزة لن يمنعها من إتمام المصالحة، مطالبا حركة "حماس" بتسليم الأمن الداخلي لها في غزة، وأضاف: تعرضنا لمحاولة اغتيال مدبرة ومعد لها مسبقًا، بعبوات ناسفة دفنت تحت الأرض بعمق مترين، وتابع رئيس الوزراء: نحمد الله على سلامة الجميع، هناك 6 إصابات، هي الآن تعالج في مجمع فلسطين الطبي في رام الله، مؤكدًا على أن "ما جرى لا يمثل الوطنية الفلسطينية، ولا يمثل قطاع غزة والشعب الفلسطيني، هذا عمل جبان". تبادل اتهامات حركة فتح وجهت أصابع الاتهام سريعًا إلى حركة حماس، حيث قال الناطق باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن الرئيس محمود عباس، سيعقد خلال الأيام القادمة، سلسلة اجتماعات للوقوف على استهداف موكب رئيس وزراء حكومة الوفاق، وحمل أبو ردينة، حركة حماس المسؤولية الكاملة عن هذا الهجوم، فيما قال الرئيس عباس، إن السلطات في غزة مسؤولة بشكل كامل عن تعرض رئيس الوزراء ورئيس جهاز المخابرات العامة لمحاولة اغتيال في القطاع، مؤكدًا أن "حكومة الأمر الواقع غير الشرعية في غزة هي التي تتحمل المسؤولية كاملة عن هذا الحادث الإجرامي المدان"، وأضاف أن "محاولة الاغتيال تنسجم مع كل المحاولات للتهرب من تمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة عملها في قطاع غزة، وإفشال المصالحة، وتلتقي مع الأهداف المشبوهة لتدمير المشروع الوطني بعزل غزة عن الضفة الغربية، لإقامة دولة مشبوهة في القطاع". على جانب آخر، أدانت العديد من الفصائل الفلسطينية محاولة الاغتيال الفاشلة، وفي مقدمتها حركة "حماس"، التي قالت إن "جريمة استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني هي جزء لا يتجزأ من محاولات العبث بأمن قطاع غزة، وضرب أي جهود لتحقيق الوحدة والمصالحة، وهي الأيدي ذاتها التي اغتالت الشهيد مازن فقها، وحاولت اغتيال اللواء توفيق أبو نعيم"، كما استنكرت حماس "الاتهامات الجاهزة من الرئاسة الفلسطينية للحركة، والتي تحقق أهداف المجرمين"، مطالبة الجهات الأمنية ووزارة الداخلية بفتح تحقيق فوري وعاجل لكشف كل ملابسات الجريمة ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة. من جانبها، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن الأجهزة الأمنية في القطاع مطالبة بملاحقة الجناة وتقديمهم بشكلٍ عاجل للعدالة، واتخاذ كل الإجراءات التي تحول دون تكرار الاعتداءات، وطالبت بتجنب حدوث أي انعكاسات سلبية على جهود تحقيق المصالحة، قائلة: إن الاستهداف يؤكد الحاجة العاجلة إلى إنجاز المصالحة، وإنهاء الانقسام بكل تعبيراته، وفي مقدمة ذلك توحيد مؤسسات السلطة بما فيها الأمنية وفق الاتفاقيات الموقعة، لقطع الطريق على أعداء شعبنا، وكل المتضررين من المصالحة والمتربصين لإفشالها. في ذات الإطار، قالت حركة المقاومة الشعبية في فلسطين، إن عملية استهداف الوفد الحكومي هي محاولة لتخريب الجهود المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية، وضرب العلاقات الداخلية الفلسطينية، وإن المستفيد الأول من وراء ذلك هو العدو الإسرائيلي، ودعت الحركة الجهات المختصة إلى ملاحقة مرتكبي هذا الفعل المدان، وتقديمهم إلى العدالة بأسرع وقت ممكن. بدورها أدانت حركة الجهاد الإسلامي، جريمة الاعتداء على موكب الحمد الله، وأكدت "أن الجريمة هي جزء لا يتجزأ من محاولات العبث بمستقبل الوحدة الوطنية، وإفشال جهود المصالحة التي قطعت شوطًا كبيرًا وبذل الأشقاء المصريون شوطًا كبيرًا من أجل تحقيقها"، وقالت الحركة "إن الأيادي التي ارتكبت هذه الجريمة هي ذاتها التي تشارك في قصف شعبنا وقتله واغتيال قياداته"، وطالبت الحركة "بقطع الطريق على الاحتلال المتربص بوحدتنا، والعمل سريعًاً على توحيد الصف والخروج من حالة الانقسام لمواجهة صفقة القرن وتداعياتها على القضية الفلسطينية والمنطقة العربية"، مشددة على أن "المستفيد الوحيد مما حدث هو الاحتلال وأعوانه". من المستفيد؟ بعيدًا عن الاتهامات والنفي المتبادل بين الفصائل الفلسطينية، فإنه بالنظر إلى كافة تفاصيل الحادث، يبرز احتمال يقترب من اليقين، وهو أن الاحتلال الصهيوني وأذرعه الإرهابية هي المستفيد الأكبر بل الوحيد من هذا الاستهداف، وذلك لعدة أسباب، فالتفجير الذي وقع في قطاع غزة، من المستبعد أن تكون حركة حماس ضالعة فيه، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذا التفجير يشكل ضربة قاصمة لهيبة "حماس" الأمنية في قطاع غزة، تلك الهيبة التي تعتبرها حماس الإنجاز الفعلي الوحيد في القطاع، فالتفجير يعني أن قوات أمن الحركة فقدت سيطرتها على القطاع، وأن القطاع بات مرتعا للإرهابيين، وهو ما لا يصب في صالح الحركة نهائيًا ولا في صالح نهجها السياسي. مما سبق يتضح أن الذي خطط ودبر لهذا التفجير لم يكن يستهدف اغتيال "الحمد الله" بقدر ما كان يستهدف اغتيال المصالحة الفلسطينية، ووأد أي محاولات لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وإشعال الفتنة والارتباك بين قطبي المجتمع الفلسطيني، ليستغل "هذا المجهول" هذه الحالة ويشرع في تنفيذ ما تبقى من مخططات سلب ونهب الأراضي الفلسطينية، ومن هنا يتضح أن الاحتلال الصهيوني هو الضالع الأكبر في هذه العملية على اعتبار أنه المستفيد الأول والأكبر إن لم يكن الأوحد من هذا الاستهداف. حركة فتح لم تتمكن من النظر للأبعاد السياسية لهذه العملية، ولم تتمكن من التفكير مليًا في أهداف من يقف وراءها، ولم تستخدم ذكاءها السياسي مطلقًا، فسارعت بتوجيه سهام انتقاداتها وتحذيراتها واتهاماتها إلى حركة "حماس"، دون أن تعطي نفسها وقتًا لترى أن هناك طرفا ثالثا يُجيد التخطيط للمؤامرات، وضليعا في استخدام سياسة الاغتيالات، ومتمكنا من كيد المكائد للشعب الفلسطيني، ويستشيط غيظًا من أي محاولات لإنهاء انقسام هذا الشعب، وهو الطرف الصهيوني، فالاتهامات التي وجهتها حركة "فتح" ل"حماس" حققت الهدف الصهيوني بحذافيره دون أن يبذل الاحتلال جهدًا في تحقيقها. المصالحة الفلسطينية.. خطوات إلى الوراء تأتي عملية استهداف موكب الحكومة الفلسطينية في الوقت الذي بدأت فيه القاهرة إحراز تقدم بطيء باتجاه تخطي الخلافات الجوهرية بين حركتي "فتح" و"حماس"، حيث تخوض مصر مباحثات ماراثونية لرأب الصدع بين الطرفين، وتتضح في زيارة يقوم بها الوفد المصري إلى قطاع غزة، حيث وصل الوفد الأمني بقيادة اللواء في جهاز المخابرات العامة سامح نبيل، وعضوية العميد في الجهاز عبد الهادي فرج، والقنصل العام المصري في رام الله خالد سامي، الأحد الماضي إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون "إيرز"، لاستكمال متابعة وتنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، وتزامن وصوله مع الإعلان عن وصول وفد من حكومة التوافق، ليعقد الوفد المصري لقاءات منفصلة مع وزراء الحكومة، وحركتي فتح وحماس والفصائل والقوى والمؤسسات والوجهاء في غزة. وتأتي هذه الزيارة التي أجراها الوفد مطلع الأسبوع الجاري، بعد زيارة سابقة أجراها الوفد نفسه الأسبوع الماضي، حيث غادر الوفد قطاع غزة، الخميس الماضي، بعد أن عقد على مدار أسبوعين سلسلة من اللقاءات مع عدد من الشخصيات الحكومية وقيادات القوى والفصائل، ورجال الأعمال والعشائر والطلبة والخريجين. وتأتي الزيارات المتتالية للوفد المصري بعد زيارة أجرتها حركة حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، للقاهرة، قبل أسابيع، في محاولة لإحياء المصالحة التي تعثرت لأشهر بسبب الخلافات حول تنفيذ بعض بنودها.