منذ وطأت قدما وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الأراضي اللبنانية، تلقي صفعات دبلوماسية متتالية ورسائل سياسية من مختلف القادة اللبنانيين، كانت أبلغ رد من محور المقاومة على القرارات والإجراءات الأمريكية الاستفزازية التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، تجاه العديد من الدول العربية وقضايا المنطقة. المواقف التي تعرض لها الدبلوماسي الأمريكي رفيع المستوي، وضعت الولاياتالمتحدة أمام حقيقة أن نفوذها لم يعد كافيًا للعب دور الزعيم مجددًا، وأن المعادلات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة دول محور المقاومة، تبدلت، وأن زمن الاستماع إلى الأوامر الأمريكية والرضوخ والانصياع، ولى دون رجعه، وأن تلك الدول باتت تستمد قوتها من صوت المقاومة بداخلها الذي يربك واشنطن وحليفها الصهيوني. إهانات دبلوماسية تزامنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى بيروت، مع وجود توترات عميقة بين لبنان وإسرائيل بشأن الصراع الدائر بين الطرفين على الثروة النفطية الواقعة في المياة الإقليمية اللبنانية، والتي تدعى تل أبيب تبعيتها لها، ناهيك عن أن الاحتلال شرع في بناء جدار على الحدود مع لبنان تقع بعض اجزائه داخل الأراضي اللبنانية، ما يمثل انتهاكا لسيادة الدولة، كل هذه التوترات ألقت بظلاها على زيارة تليرسون إلى البلد العربي الشقيق. وزير الخارجية الأمريكي، لم يزر لبنان كوسيط، لأن الولاياتالمتحدة لم تكن وسيطًا نزيهًا مطلقًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الإسرائيلية، بل جاء تيلرسون مدافعًا عن الحقوق الإسرائيلية المزعومة ومتحدثًا باسمها، وهو ما أدركته القيادات والمقاومة اللبنانية قبل الزيارة، الأمر الذي جعل الوزير غير مُرحب به في بيروت، حيث حظيت الزيارة باستقبال باهت وبارد وإحراج دبلوماسي متكرر، حتى أن العديد من المصادر الأمريكية التي واكبت الزيارة أكدت أن تيلرسون لم يكن مرتاحًا، وأن الزيارة لم تكن ناجحة نهائيًا. منذ وطأت قدما تيلرسون أرض مطار رفيق الحريري الدولي، اصطدم بواقع أن لبنان باتت تستمد قوتها من المقاومة بداخلها المتمثلة في حزب الله، وأن المعادلات السياسية داخل الدولة اللبنانية، تغيرت، وولى زمن السمع والطاعة، حيث كانت أولى مظاهر التغيير في عدم استقبال وزير الخارجية اللبناني لنظيره الأمريكي في المطار، حيث امتنع جبران باسيل عن الحضور إلى المطار، كما لم يستقبله أيضا عند مدخل قصر بعبدا بعد وصول موكبه. وفي السياق، أكدت العديد من التقارير والمصادر السياسية اللبنانيةوالأمريكية، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى لبنان لم تكن ناجحة ومريحة، حيث اصطدم تيلرسون بمشاكل عديدة أهمها موقف لبنان الرسمي الرافض للتسوية الأمريكية حول الحدود، بالإضافة إلى الموقف المحرج الذي تعرض له في قصر بعبدا الرئاسي، حيث اضطر وزير الخارجية الأمريكي للانتظار طويلًا في قصر الرئاسة قبل أن يستقبله نظيره اللبناني، جبران باسيل، تمهيدًا لمحادثاته مع الرئيس، ميشال عون، وأظهرت لقطات تليفزيونية تيلرسون يجلس في غرفة، وبجواره مقعد شاغر، قبل أن يدخل جبران باسيل ويصافحه، وأظهرت اللقطات غياب علم الولاياتالمتحدة خلف مقعد الضيف، فيما وضع العلم اللبناني فقط خلف مقعد عون. رجح العديد من الخبراء والمراقبين، ألا تكون المواقف التي تعرض لها وزير الخارجية الأمريكي عبثية أو من قبيل الصدفة، بل رسالة سياسية من قادة لبنان إلى الدبلوماسي الأول في أمريكا، بأن وساطته غير مقبولة ومواقف بلاده الأخيرة لن تمر مرور الكرام، وأن لبنان باتت تتبنى سياسة المعاملة بالمثل. الولاياتالمتحدةالأمريكية أبدت امتعاضها مما أسمته "الإشكال البروتوكولي مع وزير الخارجية الأمريكي، الذي هو في تراتبية الحكم في واشنطن بمثابة الوزير الأول"، لذلك سعى وزير الخارجية الأمريكي للرد على المواقف المحرجة، من خلال إلغاء مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، فبعد لقاء الوفد الأمريكي برئاسة، رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري، اجتمع تيلرسون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، والاجتماع بينهما رسميًا كان محدد له مدة 20 دقيقة، بينما دام أكثر من ساعة ونصف، وأكدت مصادر أن التأخير كان متعمدًا من الوفد الأمريكي لإلغاء مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، كرد على موقفي قصر بعبدا والمطار، حيث غادر تيلرسون قصر بعبدا بعد المباحثات من دون الإدلاء بتصريحات. لبنان تُجمع على الرفض أجمعت القيادات اللبنانية بمختلف انتماءاتها السياسية على رفض المقترح الأمريكي، بتحديد حصة للكيان الاحتلال الإسرائيلي في "البلوك9" للغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، قدرها 40% فيما يتم منح لبنان 60% من المنطقة، حيث قال رئيس الجمهورية اللبناني، العماد ميشال عون، خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكي، في قصر بعبدا، إن على أمريكا العمل لمنع كيان العدو الإسرائيلي من استمرار اعتداءاته على السيادة اللبنانية البرية والبحرية والجوية، والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، مشددًا على "أننا متمسكون بالحدود اللبنانية ونرفض ادعاءات إسرائيل بملكية أجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية". من جانبه، استحضر رئيس مجلس النواب، نبيه بري، خلال لقائه مع تيلرسون الخروقات الإسرائيلية اليومية ونيّة الكيان الصهيوني بناء الجدار الأسمنتي في نقاط داخل الأراضي اللبنانية، وادعاءاتها في المنطقة الاقتصادية الخاصة، مؤكدًا عمل اللجنة الثلاثية التي تنعقد دوريًا في مقر الأممالمتحدة في الناقورة وتجربتها في الخط الأزرق لاستكمالها في الترسيم البحري وبمساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا سيما أن إسرائيل لا تعترف بالمحكمة الدولية لقانون البحار، ولم توقع أيضًا اتفاقية الأممالمتحدة للقانون نفسه. المقاومة اللبنانية أيضًا كانت على رأس الرافضين بقوة للمقترح العبثي الأمريكي، وظهر ذلك في خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي منح الدولة اللبنانية جرعة دعم كبيرة في المفاوضات مع الدبلوماسي الأمريكي بشأن الحدود الجنوبية، حيث وضع ثقل سلاح المقاومة في قبضة الدولة اللبنانية وفي متناول القادة اللبنانيين على طاولة المفاوضات ليحمي الدولة من الضغوط الأمريكي والتهديد الإسرائيلي. رد نصر الله على المقترح الأمريكي الذي طرحه تيلرسون خلال لقائه مع الرئيس اللبناني، ميشال عون، جاء سريعًا حيث أكد أن "ترسيم الحدود الجنوبية، خاصة البحرية، لن يتم وفق مشيئة الأمريكيين الذين يفاوضون بالأصالة عن أنفسهم، وبالنيابة عن العدو، لا كوسيط"، مضيفًا: "فليقرر المجلس الأعلى للدفاع منع العدو من التنقيب عن النفط والغاز، ونحن جاهزون"، مطالبًا القادة اللبنانيين علنًا بالاستفادة من قوة المقاومة في المفاوضات، حيث دعا الدولة اللبنانية إلى التفاوض من موقع القوة في موضوع النفط والغاز، وألا تسمح للشيطان الأمريكي باللعب بين اللبنانيين لتفريق موقفهم، مؤكدًا أن "معركة تثبيت الحق بالبلوك9 والمنطقة الاقتصادية هي معركة كل لبنان". وأضاف الأمين العام لحزب الله متوجهًا إلى الإسرائيليين: "نحن الأقوياء في معادلة النفط، وإذا أردتم أن تمنعونا، فإننا سنمنعكم، وإذا قصفتمونا فسوف نقصفكم، وإذا ضربتمونا فسوف نضربكم، ونملك الشجاعة ونملك القوة ونملك القدرة، وعدونا يعلم ذلك، وهذا ليس مجرد خطابات، تأكدوا أن المقاومة مستعدة لتعطيل منشآت استخراج النفط الإسرائيلية، في حال قرر مجلس الدفاع الأعلى اللبناني أن العدو يجب أن يتوقف عن التنقيب"، مشيرًا إلى أن المقاومة قادرة على تنفيذ هذا الأمر بسهولة، وفي غضون ساعات، مجددًا التأكيد على "المنصات النفطية الإسرائيلية ستتوقف عن العمل خلال ساعات إذا اتخذت بيروت قرارًاً بذلك". خطاب نصر الله، رسالة سياسية مهمة للغاية إلى التحالف الصهيوأمريكي، مفاده أن لثروات لبنان مقاومة تحميها، كما أعطى الدولة اللبنانية الرسمية من خلال خطابه قوة تفاوضية وثقل سياسي وعسكري يمكنها من الوقوف على أرض صلبة في أي محادثات قادمة سواء مع الاحتلال الصهيوني أو حليفه الأمريكي، حيث وضع حزب الله قدرات المقاومة وقوتها تحت تصرف الدولة للدفاع عن حقوق لبنان الشرعية.