يبدو أن شوراع غزة بدأت تتململ وتٌظهر وجهها الساخط على الواقع المحموم بسبب عدم تحديد الجهة المسئولة عن الشلل الذي تعيشه منذ سنوات، لا أحد ينكر على غزة أنها على صفيح ساخن، وسيكون الانفجار قاب قوسين أو أدنى، ولكن هذا الانفجار لن يكون في وجه العدو الإسرائيلي كالمعتاد، بل سيكون في وجه من يمسك زمام الأمور بغزة. هذا الأمر لم يعد سراً، وقد ظهرت مؤشرات السخط الشعبي في مناسبات عديدة كان آخرها الأسبوع الماضي حين تجمع عشرات الآلاف في الرابع من يناير الحالي في مخيم جباليا للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة منذ سنوات. بلغ السيل الزبى! هذا ما تصدح به غزة كل يوم ولكن لا أحد من صناع القرار يأبه لهذا الصوت الذي قد ينقلب لأزمة لا أحد يستطيع نزع فتيلها، هذا الصوت الذي يتم تجاهله بداعي السير السلحفائي في خطوات المصالحة تارة ، وبالانشغال إلى الأخطار الدولية المحدقة بالقضية الفلسطينية وتصفيتها تارة أخرى. لكن ما هو واضح الآن، أن الشعب الغزي لم يعد يطق الانتظار وقد ينفجر في وجه الجميع إن لم يظهر عنوانا واضحاً للمسئولية عن القطاع بكل ما فيه من ملفات عالقة منذ سنوات طويلة. أعتقد أن سبب تأخر أي هبة شعبية داخلية هو غياب العنوان الرئيس ضد من تكون هذه الهبة ؟! مع حساب البعض لوجود الاحتلال الإسرائيلي وإمكانية استغلاله لحالة الغضب الشعبي، وربما ساهم في ذلك اختلاط الأوراق بعد اتفاق القاهرة الأخير أكتوبر / 2017 حيث زاد تيه الشعب بعد تقاذف حماس وفتح للمسؤولية عن السير البطيء لخطوات المصالحة، والاختباء خلف مصطلحات هلامية مطاطة كالتمكين، واستيعاب الموظفين ، ومصطلحات أخرى دون توافر معايير وصول واضحة لكل مصطلح. قد يكون المناخ مهيأً للمماطلة والتسويف أمام طرفي الانقسام خاصة في ظل ما يتم التسويق له لما يعرف بصفقة القرن، والقبول العربي غير الملعن لهذا المخطط الذي بدأ باعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ضارباً كل الاتفاقيات والقرارات الدولية عرض الحائط، متجاهلا الإرادة العالمية بالإبقاء على وضع القدس دون المساس به لما قد يحمل ذلك من تغير في جوهر الصراع من صراع سياسي جغرافي إلى صراع ديني. إن تحميل أحد الأطراف مسؤولية فشل المصالحة لن يرحمه ولن يرحم الطرف الآخر وقد تؤدي المناكفات إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة إذا ما تهيأت المناخات والظروف لربيع فلسطيني قد يكون مختلفاً عن تجربة البلدان العربية وذلك لخصوصية الموقف الفلسطينية، حيث لم يعد للشارع الغزي ما يخسره، فمن يتابع انهيار الاقتصاد المتسارع، ومعاناة الموظف العمومي، والأعداد الضخمة للعاطلين عن العمل، والظواهر الاجتماعية الكارثية التي تزداد يوما بعد يوم يعي تماماً أن ساعة الانفجار قد تأتي بأحداث عشوائية عابرة وان انطلقت فلن يكون من السهل السيطرة عليها، وقد بات البحث عن الحلول والتنازلات مطلباً ملحاً يجب تطبيقه وعدم الاكتفاء بالتلويح به إعلاميا. قد تكون الأيام القادمة حبلى بخلاصات خبرة نوايا الشعب الفلسطيني بالمفاوض على طاولة المصالحة الرخوة، وقد يُطلب من المصريين ما لم يطلب سابقاً، وقد تجد قيادة الفصائل نفسها أمام خيارات صعبة يفرضها الغضب الشعبي، لذا فعلى اللاعبين استغلال الدقائق الأخيرة من صبر الشارع عليهم وإلا ستسجل الثورة الفلسطينية شكلاً جديداً من النضال الداخلي مع تجاهل وجود الاحتلال على الخارطة السياسية لفترة وجيزة.