خروقات عدة تشهدها مناطق خفض التصعيد في سوريا، التي تضمنها البيان الروسي التركي الإيراني، الصادر في منتصف سبتمبر الماضي، في ختام الجولة السادسة لمحادثات أستانا، وتشمل الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب البلاد. وتجددت الاشتباكات أمس، في العديد من نقاط مناطق خفض التوتر؛ أبرزها في دمشق وريفها، حيث تواصلت الاشتباكات بين قوات الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية؛ ففي خرق ميداني يعد الأول منذ أشهر، حاصرت المعارضة المسلحة إدارة المركبات في مدنية حرستا قرب دمشق، قبل أن تتمكن من استعادة مواقع في المدنية، وبذلك بات الطريق الواصل بين مدينتي حرستا وعربين تحت سيطرة المعارضة، وهو الطريق الذي كانت تمر خلاله امتدادات القوات الحكومية إلى إدارة المركبات. وخروقات المعارضة للاتفاق نفذها مقاتلون من هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام، حيث عمدوا إلى السيطرة على عدة أحياء وكتل سكنية قريبة من مبنى المحافظة بحرستا في ريف دمشق، وفي مشهد معاكس لما يوصف ب"مناطق خفض التوتر"، تواصل القتال بشكل عنيف بين الجيش السوري ومجموعات موالية له من جانب، ومقاتلي هيئة تحرير الشام وأحرار الشام وفيلق الرحمن من جانب آخر، على محاور في محيط إدارة المركبات ومحيط وأطراف مدينة حرستا، نتيجة هجوم متواصل من قبل الفصائل في محاولة لتقدم نحو مبنى إدارة المحافظة. وكالة سانا الرسمية السورية أشارت إلى أن المجموعات المسلحة جددت خرقها لاتفاقات خفض التصعيد في الغوطة الشرقية، عبر استهدافها بقذائف الهاون ضاحية حرستا بريف دمشق، مشيرة إلى خروق مماثلة في ريفي درعا وحماة. وتعرضت قرية مريمين الواقعة إلى الشمال الغربي من ريف مدينة حمص السورية لهجوم مفاجئ الأربعاء الماضي، شنته المجموعات المسلحة المتمركزة في بلدة "الحولة" المتاخمة لريف حماة، وبذلك تكون الجماعات المسلحة استغلت حالة الهدوء التي تعيشها المنطقة جراء اتفاق خفض التوتر الذي شمل مؤخرا ريف حمص الشمالي، لكن نجحت قوات الجيش السوري في صد الهجوم البري الذي انطلق من بلدتي الحولة والطيبة. والثقل الأكبر الذي يشكل عاملًا مهمًا في استمرار اتفاق مناطق خفض التوتر من عدمه، يقع في إدلب؛ فالمدينة التي تجمع حشودا هائلة لمعظم الجماعات المسلحة بما فيها "النصرة" الإرهابية، ستكون محطة للأنظار في العام الجاري؛ فروسيا وضعتها على أجندة الاستهداف العسكري، لكن ما يميز المدينة عن غيرها، أنها قد تكون محط نزاع دولتين ضامنتين لاتفاق خفض التوتر، فروسيا المصممة على إحداث خرق عسكري لجماعات المسلحة في إدلب ستجد نفسها في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع الأتراك الذين يحاولون الحفاظ على تركيبة الفصائل المسلحة في إدلب كورقة قوة للمفاوض التركي، باعتبار أن هذه الفصائل موالية لأنقرة بما فيها النصرة. وحتى الآن لا توجد مواجهات مباشرة بين أنقرةوموسكو، وقبل أيام امتدح الجانب الروسي التواجد التركي في إدلب، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي، إن تواجد القوات التركية في مناطق خفض التوتر، يأتي في إطار توفير الأمن بتلك المناطق، لكن المديح قد لا يستمر طويلًا، فأنقرة دعمت تشكيل الجيش الوطني الذي يهدف إلى إسقاط النظام، وهو الأمر الذي تعارضه موسكو، التي اشترطت انسحاب الدول المنتشرة هناك حال انتهاء التوتر في المنطقة، الأمر الذي لا تسعى أنقرة إليه، فتركيا حتى الآن ليس لها أي رغبة بالانسحاب من الشمال السوري، ما دفع الحكومة السورية في دمشق لاعتبار التواجد التركي على الأراضي السورية بالاحتلال. التطورات الأخيرة تأتي في وقت تشهد فيه العديد من المناطق الساخنة في سوريا عودة للمواجهات، ما يهدد بانهيار اتفاقيات خفض التصعيد، وتجميد تفاهمات أستانا، وبالتزامن مع هذا، نجد أن الكثير من مناطق خفض التوتر في الجنوب السوري لها بعد دولي وإقليمي، فالولايات المتحدة عبّرت أكثر من مرة على اعتراضها على المناطق الجنوبية لخفض التوتر في سوريا، وطالبت روسيا بعدم وجود قوات إيرانية أو قوات تابعة لحزب الله فيها، المطالب الأمريكية جاءت تلبية للرغبات الإسرائيلية إلا أن روسيا رفضت المطلب الأمريكي.