بثلاثة أفلام فقط تمثل المشاركة المصرية الوحيدة على مستوى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 39، وتحت شعار "ادعم أفلام مصر في مهرجانها"، انطلقت مسابقة "سينما الغد للأفلام القصيرة"، التي يديرها الناقد محمد عاطف، وتمنح جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير، وجائزة محمد كريم لأحسن فيلم طلبة (تمنح الجوائز لمخرج الفيلم). الأفلام الثلاثة هي "حاجة ساقعة" للمخرج عمروش بدر، و"ريدفيلفت" للمخرجين يوسف محمود، ومحمود سمير، و"كل الطرق تؤدى إلى روما" للمخرج حسن صالح، وهي أفلام قصيرة تمثل نقطة ضوء في تلك الصورة المظلمة لأوضاع السينما المصرية، إذ خرجت هذه الأفلام للنور رغم ضعف الإمكانيات والصعوبات التي واجهها شباب المخرجين، وهي الصعوبات التي تحدثوا عنها في حوارهم ل"البديل".. غير مربحة "كل الطرق تؤدى إلى روما بمثابة مشروعي الأول المستقل عن أي كيانات إنتاجية، تجربة اكتملت بعد سنوات من التدريب وإخراج عدة مشروعات للتخرج".. هكذا تحدث المخرج حسن صالح، ل"البديل" عن تجربته مع الفيلم. وأضاف: "أصعب التحديات التي تواجه أي مخرج مستقل رفض شركات الإنتاج لهذا النوع من الأفلام القصيرة لأنها غير مربحة، ومن ثم لم نكن لننجح في إخراج هذا الفيلم دون الإنتاج الفردي المستقل الذي تولاه أحد أصدقائنا، والعمل في ظروف صعبة والتصوير في أماكن محدودة والابتعاد عن التصوير الخارجي لأنه مكلف، فمثلا تم الاستعانة بشقة أحد أقاربي، إضافة إلى أن بطلة الفيلم زوجتي، وأبطاله أصدقائي، ولذلك خرج الفيلم للنور". وعن دور الدولة في دعم التجارب السينمائية لشباب المخرجين قال صالح: "المكان الوحيد المنوط به إنتاج الأفلام القصيرة غير الهادفة للربح هو المركز القومي للسينما، وهو جهاز يعاني من البيروقراطية الشديدة ولو انتظرت تمويله للفيلم لربما تطلب الأمر الصبر 7 سنوات حتى تأتي الموافقة، لذا كان اختيار الإنتاج المستقل هو الحل الوحيد لإنتاج مشروعنا". وأوضح صالح: "الفيلم من نوعية الأفلام الحوارية التي تثير جدلا حول قضية ما، ويتناول حال كثير من الشباب المصري، ويطرح فكرة الهجرة كحل للتخلص من كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه لا يتبنى وجهة نظر واحدة وإنما يقدم وجهتي نظر إحداهما توافق والثانية ترفض،، ولست كمخرج مسؤولا عن توجيه المشاهد لاختيار الحل المثالي". وأبدى صالح حزنه الشديد بسبب غياب التمثيل المصري في المهرجان "مصيبة كبيرة، شيء تعيس، كان يجب أن يشارك أكثر من فيلم مصري، وهذه أزمة يمكن لمهرجان القاهرة الدولي حلها بتأسيس صندوق يمول طوال العام عدة سيناريوهات مثلما يفعل مهرجان دبي، ويختار مجموعة منها ليشارك في إنتاجها وبالتالي يُلزم المخرجين أن يكون العرض الأول للفيلم بالقاهرة، ومن ثم نضمن مشاركة مصرية جيدة ومستمرة كل عام في المهرجان الذي يتمتع بإمكانيات تجعله يقدم دعما وليكن 100 ألف جنيه لكل فيلم، ليكون المتوسط لإنتاج 5 أفلام نصف مليون جينه". وعن مشروعه القادم يقول حسن صالح، إنه يحضر لإخراج فيلم قصير سيناريو هناء عطية، ويستعد للتجهيز لأول فيلم روائي طويل يحمل اسم "موسم الطيور المهاجرة". مشروع ثنائي فيلم "ريد فيلفت" تجربة جديدة قدمها محمود سمير، ويوسف محمود، مخرجا الفيلم، وقال سمير: أنا و"جو" أصدقاء منذ الصف الخامس الابتدائي، جمعنا نفس الطموح ونفس الشغف بالسينما ورغبتنا في إخراج عمل مشترك، ورغم افتراقنا بالدراسة حيث درست بالمعهد العالي للسينما وهو التحق بكلية الإعلام، فإن الحلم ظل مستمرا حتى جاء "ريد فيلفت". وأضاف يوسف محمود: "لم يكن هناك مجال للخطأ أو تضارب وجهات النظر في اللوكيشن لأننا أعددنا مسبقا وبعناية لكل مشهد، ومن ثم لم يكن هناك وقت للخلاف أو الجدل أثناء التصوير، وهو ما أدى إلى خروج العمل بهذه الرؤية غير المتضاربة وكأن مخرجا واحدا فقط هو الذي نفذه". أشار سمير إلى أن أبرز التحديات التي واجهتهم كانت ضيق الوقت، وانخفاض تكلفة الإنتاج "المستقل" التي لم تتعد 32 ألف جنيه، وقال: كان يجب الانتهاء من التصوير خلال 3 أيام، وكان وقت التصوير قصيرا جدا بسبب نهار الشتاء، ثم استغرقت مرحلة ما بعد التصوير 3 أشهر. وعن فكرة الفيلم قال يوسف محمود: "فكرة بسيطة عن ولد صغير استيقظ من النوم وجد أمه ميتة.. كيف يتعامل مع الموقف وكيف تنتهي القصة، وهي قصة إنسانية وجدنا أنها تستحق أن نحكيها بالصورة، ونجح الطفل "آسر" في تقديم دوره بشكل جيد، فهو يحفظ المشهد ولا يلعب أثناء التصوير ومهتم بالإنصات لكل توجيهاتنا". ويرى سمير، أن إنتاج وتوزيع الأفلام القصيرة من أهم المشكلات التي تواجه شباب المخرجين، "فهذه الأفلام ليس لها مكان للعرض العام مثلا، ولا يوجد مخرج يريد تصوير فيلم ليشاهده بمفرده، وهذه إشكالية يجب أن تكون مطروحة للنقاش داخل فعاليات المهرجان، فضلا عن بيروقراطية المركز القومي للسينما الذي لا يدعم مشروعات الشباب"، فيما قرر الصديقان استكمال مشروعهم الثنائي بإخراج الأفلام، ويستكملان معا كتابة فيلم قصير جديد، بعد قبول فيلمها "ريد فيلفت" في ديسمبر المقبل بمهرجان "كيلكروفا" بروسيا. عقدة الخواجة وعن فيلمه الأول "حاجة ساقعة" يحكى المخرج عمروش بدر: "أردت كتابة وإخراج فيلم يشبهني، كل شخصية من شخصيات الفيلم الأربعة تأخذ جانبا من حياتي، كلهم يبحثون عن بكرة والحلم والأمل، "حاجة ساقعة" وليدي الأول المكتمل الذي يحمل المعاناة والفرح". ويُكمل: "كتبت سيناريو الفيلم وظل محبوسا بالأدراج لعام ونصف، حتى فاز بمنحة مكتبة الإسكندرية لإنتاج الأفلام القصيرة بدعم قليل (30 ألف جنيه) فقررنا أنا وأصدقاء لي إنجازه، وبلغت تكلفته 150 ألف جنيه، ثم واجه الفيلم تحديا آخر وهو الرفض من المهرجانات، ولا أعرف سببا محددا لذلك، وهو ما أصابني باليأس، واتجهت للعمل بالتسويق، وقررت ترك السينما". أضاف عمروش ل"البديل": صدفة جعلته يعود من جديد وهى إعلان مهرجان "كيلان فييرا" عن فتح باب التقديم، وهو أكبر مهرجان في العالم للأفلام القصيرة، وكنت فاقد الأمل في قبول فيلمي، ثم فوجئت برسالة من المهرجان بقبول الفيلم.. كانت صدمة ومشاعر مختلطة بين الفرح والألم، كانت مكافأة كبيرة لتعب ومشوار طويل بدأ منذ 2006، كنت قد فقدت الثقة في استكماله، ولكن اختيار فيلمي من بين 7 آلاف فيلم بالعالم و70 فيلما مصريا، كان بمثابة حلم كبير. المفارقة التي يرويها عمروش أن مهرجانات مصرية وأخرى إفريقية سبق ورفضت "حاجة ساقعة" أصبحت توافق بعد مشاركته في مهرجان "كيلان فييرا".. ويضحك عمروش قائلا "عقدة الخواجة". "80% من التصوير كان خارجيا، وهو مكلف جدا، بين مناطق بحري وسوق الجمعة والليسيه، وكان ذلك تحديا كبيرا بالإضافة لمشكلات التصاريح الأمنية وإجراءاتها المعقدة التي تعطل إنجاز الفيلم، ولكن نجح فريق العمل في الانتهاء بأمان".. يوضح عمروش، الذي أبدى غضبه من النظرة للأفلام القصيرة، قائلا: "بيعتبروها في مصر معيبة أو فيها حاجة ناقصة، ولا يعترف بالمخرج في مصر إلا عندما يقم أفلاما روائية طويلة، وهو تصور خاطئ غير موجود بأي مكان في العالم"، فيما أشار إلى انتهائه من كتابة سيناريو فيلم روائي طويل يجمع بين الكوميدي والرومانسي والاجتماعي. وعن غياب تمثيل مصر بالمهرجان في دورته ال39، قال عمروش: "المخرجين أصبحوا يلهثون وراء مهرجانات الجونة ودبي وغيرها لأنها تقدم جوائز كبيرة، وهذا لا يعني نقدي لصناع هذه الأفلام ولكنها معادلة قد ينحاز لها البعض".