ليس ذنباً فادحاً أن تكون مقصّراً في تواصلك مع أحبائك حينما لا تريد التواصل، وليس ذنباً فادحاً أيضاً أن تكون اجتماعياً حينما تصبح العزلة أحدث صيحات الموضة. التواصل بين البشر ليس مجرد إحداث ذلك الضجيج المصاحب لكل تصرف يقوم به الفرد، وإنما –وبالشكل الأكاديمي- التواصل هو تبادل المعلومات التراكمية والخبرات السابقة بين فردين أو أكثر بما يصب في آخر الأمر في بناء شبكة علاقات متبادلة بين مجموعة من البشر. التواصل بين الناس بشكله الكلاسيكي والمتمثّل في تبادل الحديث والنظرات والإشارات يصب دائماً في تنمية وعي الإنسان بما حوله من ثقافات وأساليب تفكير ونقد وتحليل للأمور. وبالشكل الأكثر تطوّراً حيث يغيب عامل النظر والإشارة عن عملية التواصل والتي أصبحت عن طريق التليفونات بكافة أنواعها وتطوراتها، ولكن بعد ظهور الموبايل سقطت البشرية في مجتمعنا في أزمة كبرى. حيث بدأ التغاضي عن كافة العوامل بأكملها من خلال ال"ميسد كول"، تلك الظاهرة التي أصابت مجتمعنا بمنطق "التوفير"، ليقتصر التواصل بين فردين على مجرد صافرة غير مكتملة تثقب أذن أحدهما. وهنا أصبح محتماً على الجنس البشري أن ينقذ نفسه من تلك الأزمة الفادحة والتي غاب فيها الصوت والصورة عن عملية التواصل. ومع المزيد من التطور أصبح التواصل بالكتابة أسهل بكثير من ذي قبل عن طريق الرسائل النصيّة والإيميل، ثم "سكايب". وربما هنا جاء في خاطر "مارك زوكربيرج" أن ينقذ الشرق الأوسط من أزمة "الرنّة" ليبتكر موقع "فيسبوك" الذي أصبح هو عنوان التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي والذي أدى إلى مزيد من التشوّه الاجتماعي الناتج عن سوء الاستخدام، خاصة في المجتمع العربي. يختصر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الانفعالات والمشاعر البشريّة بشكل اختزالي في بعض الوجوه الصفراء، بالإضافة إلى اختصار الضحكة في رصّ مجموعة من حروف الهاء الضالة بجانب بعضها البعض، وفي الوقت ذاته قد تجد غالبيّة من يستخدمون هذه الوجوه الصفراء وتلك الحروف المتراصة لا ينفعلون بمثلها في الحقيقة. وهنا اتسع التناقض بين الواقعي والافتراضي، وهنا أصبح الابتذال أكثر وضوحاً، فحينما تجلس إلى جوار أحدهم لتجده يضع تعليقاً على كلام شخص آخر متضمناً ": ) " أو " : ( " أو "ههههههههه"، وتنظر إلى وجهه لتجد ملامحه صمّاء بكماء لا يظهر عليها أي انفعال، وقتها ستجد تلك العلّة التي أُضيفت إلى عللنا بسبب سوء الاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي التي ومن المؤكد لم يتم ابتكارها لتصيبنا بالتخلّف الاجتماعي والنفاق اللاإرادي. وهنا تحضرنا قصيدة الشاعر مصطفى إبراهيم القائلة : أبعت للناس في وشوش صفرا وازعل منها ف أكتب طيب وازعل أكتر ف اكتب ماشي وبراحتك أصلاً أنا ماشي واما أضحك أدوس علي حرف ال"ه" وعلي قد الضحكة أفضل دايس وأزعل ملاقيش للحزن زرار