استياء وغضب وأسف عميق.. مظاهر أبداها عدد كبير من أهالي منطقة الحسين بالقاهرة، فضلا عن مريدي الطريقة الأحمدية التي تعتبر من أقدم الطرق الصوفية في مصر والعالم العربي، تجاه ما آل إليه حال بعض المساجد الإسلامية الأثرية وعلى رأسها مسجد "سيدي المرزوقي الأحمدي"، المبنى في القرن ال17 الميلادي، والمطل على ناصية شارع "قصر الشوق" المتقاطع مع شارع "حبس الرحبة" المتفرع من امتداد شارع الجمالية. بين جدران البنايات القديمة المحيطة بمسجد الحسين بحي الجمالية حيث تفوح رائحة التاريخ وتتبدى معالم عظمة ومهارة الفنان المسلم وإبداعه في تصميم المساجد العتيقة، تبدو أيضا مظاهر إهمال الأحفاد لتراث أجدادهم الزاخر بالفن والإبداع، والتي تظهر بوضوح في تردي حالة مسجد الأحمدي وانهيار سقفه منذ شهور، وتراكم القمامة بجواره، مما أدى إلى إغلاقه بالشمع الأحمر من قبل وزارة الآثار. قال أحمد فهمي، أستاذ الآثار الإسلامية ومؤسس مبادرة "كنانة" للحفاظ على الآثار، إن مسجد مرزوق الأحمدي مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية "أثر 29" ويعود بناؤه للعصر العثماني، ويتكون من بيت للصلاة وضريح مرزوق الأحمدي، وضريح ثان لأحد العارفين يدعى أحمد محمد شمس الدين، ويتميز المسجد بمئذنته المخروطية الشكل التي تميز الطراز العثماني. وأضاف فهمي، ل"البديل" أن المسجد به أثر لقدم الرسول "صلى الله عليه وسلم" مطبوعة على أحد الجدران "وهي إحدى 9 طبعات لأثر قدم النبي في الصخر، كما ذُكر في الكتيب الخاص بالآثار النبوية بالمتحف الإسلامي بإسطنبول، وكتاب الآثار النبوية لأحمد تيمور باشا الذي أحصى 7 منها، 4 بمصر وواحدة بكل من القدس وإسطنبول والطائف". وأوضح أن الشيخ مرزوق الأحمدي اعتكف بالكعبة المشرفة، ورأى رؤيا تبشره بالسفر إلى مصر، فهاجر مع زوجته إلى القاهرة عام 630ه، وأوى إلى المدرسة الكاملية ودرس الحديث النبوي، وفى شهر رمضان سنة 636 التقى بالقطب النبوي سيدي أحمد البدوي، في رحاب الروضة الحسينية بالقاهرة، فأعطاه البدوي العهد الوثيق يدا بيد وصار من أبرز خلفائه، ومنحه أثر قدم الرسول كهدية ليستقر به الحال في المسجد كأول أثر لقدم النبي ضمن 4 موجودة في مصر. هوى سلفي سيد جهيني، مهندس على المعاش من سكان شارع قصر الشوق، قال إن المسجد يعاني التجاهل والإهمال والتنصل من مسؤولية ترميمه الضائعة بين وزارتي الآثار والأوقاف، رغم أنه مسجد أثري يعود لسيدي مرزق الأحمدي، الذي حمل العهد مباشرة من السيد أحمد البدوي. وانتقد جهيني، وزارة الأوقاف، وقال ل"البديل" إنها تهدر أموال الدولة في إنشاء مساجد جديدة ببذخ شديد وتتعمد إهمال الآثار والمساجد الإسلامية التي تضم مقامات وأضرحة، بشكل يعكس فلسفة وهوى القائمين عليها السلفي، ما يجعلهم يرفضون الصوفية، وينفذون مطالب السلفيين بهدم الأضرحة بحجة أنها بدعة، ولكن بطريقة غير مباشرة وذلك بترك المسجد لينهار بهدوء. وأكد شعبان عيطة، أحد أعضاء الطريقة الأحمدية المرازقة، أن أزمة المسجد المرزوقى بدأت مع زلزال 1992 الذي أثر على إنشاءات المسجد، مضيفا أن هناك سببا آخر لتدهور حالة المسجد وهو بناء عائلة شيخ الطريقة الحالي محمد شمس الدين، شقة فوق المسجد الأثر، مستغلا صلاحياته كشيخ للطريقة ومسؤول عن المكان، وهو بناء مخالف وبه وصلات للمياه والصرف الصحي أصابت جدران المسجد بالشروخ والتصدعات من رشح المياه، ما أدى إلى انهيار سقف المسجد وإغلاقه تماما، بحسب قوله. وقالت الحاجة حنان علي، زوجة أحد أحفاد العارف بالله شمس الدين الأحمدي، إن زوجها كان مسؤولا عن نظافة المسجد وصيانته ودفع فواتير المياه والكهرباء بمساعدة أهل الخير، حتى وفاته 2010، مؤكدة أن المسجد ليس مجرد جامع للمصلين بل هو بمثابة مزار سياحي، حيث يقصده الآلاف من المتصوفة سنويا من داخل مصر من أسوان إلى الإسكندرية، ومن خارج مصر كالهند وباكستان والسودان، إذ تعد طريقة الأحمدية المرازقة أحد أكبر الطرق الصوفية في مصر وتنتشر في أغلب الدول الإسلامية. تنوع حضاري وقال الدكتور عبد الله الناصر حلمي، أمين عام اتحاد القوى الصوفية، إن مسجد المرزوقي يعاني الإهمال وغياب دور وزارتي الآثار والأوقاف رغم أن مصر تعتبر الدولة الوحيدة التي تمتلك هذا التنوع الحضاري والثقافي والأثري، وتعتبر بؤرة تضم أعظم مساجد ومقامات واضحة لآل البيت، وهى من الآثار المفضلة لدى قطاع كبير من المسلمين داخل وخارج مصر. وأضاف ل"البديل" أن مصر الدولة الوحيدة الآن التي تتمتع باستقرار من بين الدول التي تنعم بوجود هذه المساجد والأضرحة، فأضرحة آل البيت في العراق وسوريا دمرتها "داعش"، ودمرت الوهابية المتشددة آلاف المساجد والأضرحة في السعودية إذ تعتبرها "رجسا من عمل الشيطان"، فهدمت منزل ومسجد السيدة خديجة، ومسجدي علي زين العابدين، والإمام الحسن. وأشار إلى عدم وعي قطاع الآثار والسياحة بأهمية هذه المساجد الإسلامية وتاريخها الطويل، وارتباط ملايين المسلمين بها، حيث يأتون لزيارتها من الهند وباكستان والسودان وكثير من دول العالم، مؤكدا أن الإحصائيات الرسمية في عام 2010 سجلت ملياري جنيه عائدات سياحية وزيارات لمساجد وأضرحة آل البيت، فيما أعرب عن مخاوفه من أن يلقى مسجد المرزوقي نفس مصير عشرات المساجد الأخرى من الإغلاق الدائم، وعلى رأسها مسجد "سيدي جعفر الصادق" أحد كبار أئمة آل البيت وحفيد رسول الله، حيث إن مقامه مغلق منذ 25 سنة، ويقع بجوار مسجد الإمام الشافعي. تعديل القانون من جانبه، قال محمد سعيد، مسؤول منطقة الآثار الإسلامية بقطاع جنوبالقاهرة، إن قرار إغلاق أي مسجد أو أثر ما لا يصدر إلا إذا كان يمثل خطورة داهمة قد تصيب الأرواح بالضرر أثناء زيارته، وهو ما ينطبق على مسجد المرزوقي، الذي يعاني من مشاكل إنشائية خطيرة وانهيار سقفه، ومن ثم كان يجب إغلاقه لحين إدراجه على جدول خطط الترميم، من أجل حماية المصليين والزوار. وأوضح ل"البديل" أن أزمة ترميم المساجد بصفة عامة سببها تبعيتها لوزارة الأوقاف، ومن ثم لا تملك وزارة الآثار سلطة مباشرة لترميمها، وهذا يعود لإشكالية قانون حماية الآثار الذي يحتاج إلى تعديل عاجل حتى تتمكن الوزارة من اتخاذ قرارات سريعة بشأن الترميم.