شخصية الفريق يصرخ أحد أفراد الجهاز الفني لفريقنا في وجه اللاعبين قائلا: اطلع… اطلع! لكي يتقدموا للضغط على لاعبي «أوغندا» في المباراة التي جرت على ملعبنا وكان النصر حليفنا فيها. هذا النداء بضرورة الضغط العالي كان هدفه مزيدا من الهجوم لتعزيز الهدف لتحقيق الاطمئنان. قلنا سابقا إن أصعب ما يواجهه كوبر في تطوير أداء الفريق هو النمطية الواضحة في شخصيته، والتي تظهر في الثبات المبالغ فيه لطريقة اللعب، واختيار عناصر التشكيل، إضافة لافتقاده المرونة الخططية التي تمكّنه من تغيير الأداء بحسب ظروف المباريات، وطبيعة أداء الخصم ومستواه… لكن بمتابعة تصريح مهاجم الفريق عمرو جمال لأحد البرامج، حين قال إن التعليمات كانت المزيد من الهجوم ولكننا – كلاعبين- فضّلنا النزوح للدفاع للحفاظ على النتيجة! نفس تلك التصريحات أقرها إبراهيم صلاح لما سئل عن فكر »كوبر« وأضاف أنه في بعض الأحيان لاننفذ تعليماته الهجومية خوفا من أن يمنى مرمانا بهدف! تعززت تلك الأقوال بما حدث في مباراة الصعود لكأس العالم، رأيت النني في خط ال 18 في كثير من الأحيان، وعبد الشافي الظهير الأيسر يتقدم كثيرا للمساندة، وطارق حامد وحيدا في المنتصف يحاول إفساد ما يرتد من هجمات الفريق الكونغولي. هل تغير كوبر إذن؟ لا، فالسمت المتحفظ أصيل في شخصيته ومنعكس في أدائه الخططي، مما يجعل ميله الهجومي في مباريات بعينهاأو أوقات معينة في المباراة الواحدة تعد شيئا من الاستثناء، ودربا من المغامرة، والتاريخ يقول إن كوبر نفذ الضغط العالي في أجزاء من مباراة غانا ببطولة الأمم الأفريقية، وأجزاء أقل من مباراة اوغندا في نفس البطولة، إضافة لنص الشوط الأول من مباراة الكاميرون في النهائي… لكننا بحق نحتاج إلى المزيد من تلك اللحظات، التي يعتبرها كوبر »مغامرات«، وهذا ما ندعو إليه وندعمه. لماذا لايستجيب اللاعبون ويغامرون مع مدربهم عندما يطلب منهم المجازفة؟ مما أتفق فيه مع الكابتن أحمد حسام »ميدو« هو قوله أن الفريق المصري لا يملك شخصية »البطل« خاصة على أرضه، مفهوم طبعا أن التحفظ خارج الأرض مطلوب خاصة مع الفرق الأفريقية وفي ظل ملاعب سيئة وتحكيم غير مضمون عدالته، وتصفيات بطولة عالم لم نتمكن من الوصول إليها منذ 27 عاما. لكن المشكلة أن الفريق على ملعبه ووسط جماهيره لايملك الشخصية التي تؤهله للمجازفة بلاخوف، والهجوم بلاخشية، والضغط العالي من غير رهبة، فمن أين تأتي الرهبة إذن وكل الظروف معك؟؟ الرهبة هنا تأتي من لاعبين قليلي الخبرة، يفتقدون الشجاعة والثبات ولايعرفون للثقة سبيلا، حتى عندما يحاول قائدهم خارج الملعب (كوبر) أن يبث الثقة والحماس فيهم للاندفاع الهجومي، لاتجد منهم الاستجابة المطلوبة! لماذا؟ السبب هنا هو غياب »القيادة« داخل الملعب… إن القيادة الحقيقية، هي حالة اتزان بين التهور والتحفظ، محصلتها الشجاعة، وحالة وسط بين الاندفاع والانسحاب نتيجتها التأني، هي استخدام أمثل لطاقات الإنسان المعنوية والمادية، لتحقيق أهدافه المرجوة بأفضل وأنسب السبل الممكنة. فصاحب تلك الشخصية لايعميه قوة إرادته وحماسه عن التفكير الهادئ المتزن، ومهما اكتسب من شحن معنوي وعزيمة قوية، فهي لاتطغى على حكمته وثقته بنفسه، حتى عندما تحاول الظروف المحيطة أن تنال من ثباتك الانفعالي وتصيبك بالخوف والهلع، يتبقى القائد قويا صلبا، فهو لايستمد صلابته من ظروف محيطة وأحداث عارضة، بل من وازع إيماني داخلي يتمثل في إيمانه بأفكاره وثقته في تحقيقها وتوكل على الله لايتزعزع من قلبه. وتنعكس هذه الشخصية حتى في ميدان كرة القدم، تجد بعض اللاعبين لايهتزون في أحلك لحظات الهزيمة واليأس، ولاترهبهم صيحات جماهير الخصوم، بل يلعبون بهدوء وتركيز لايزعزعه حالتهم المعنوية. انظر لصلاح وهو يسدد ركلة الجزاء التاريخية، تعرف ماذا أقصد تحديدا. وفي رأيي هناك سببان لغياب تلك »الشخصية« في فريقنا الوطني: السبب الأول: العادة اللاعب معتاد على الرجوع للخلف في خطط كوبر، والاندفاع الهجومي عملية استثنائية، وعليه فربما اللاعبون يحتاجون إلى الإيمان والتعود على الضغط العالي واللعب بإقدام في عدة مباريات تجريبية حتى مع فرق ضعيفة وبدون المحترفين… ما المانع؟ لابد وكما اعتاد اللعبون، بالتكرار، نمط وخطة كوبر، لابد أن يعتادوا بالتكرار أيضا على الاندفاع الهجومي مع المحافظة على الاتزان الذي يريده كوبر منهم دائما… الثاني: القيادة داخل الملعب مركز نصف الملعب على الدائرة، هو أكثر مركز يحتاج فيه المنتخب إلى القائد، الذي يتجلى دوره في الثقة ببناء الهجمة، والقيام بالضغط العالي حين يلزم الأمر، والمجازفة بالمشاركة الهجومية ودخول منطقة جزاء الخصوم كحلول هجومية مفاجئة، إلى جانب التسديد من الخارج وتوزيع اللعب، والتحكم في رتم وإيقاع اللعب، تارة بالهدوء، وتارة أخرى بتسريع الأداء… عندما يكون مفتاح الحل في يد لاعب واحد! في بطولة أمم 2006 كان غالبية اللاعبين الأساسيين يخوضون بطولتهم الأولى بشكل أساسي ومتكرر، أبوتريكة وفتحي، عمرو زكي، متعب، وائل جمعة والمرحوم عبد الوهاب. لكن وجود أحمد حسن كقائد حقيقي في منتصف الملعب، جعله استحق نيل أفضل لاعب في البطولة، وكان سببا – داخل الملعب- في إكساب هؤلاء اللاعبين الثقة تدريجيا حتى أصبح الفريق بأكمله يمتلك نفس تلك الشخصية، فانعكس ذلك في بطولة 2008. وفي عهد برادلي كان أبوتريكة قائدا حقيقيا ربما لايخاف اللاعبون وهم يسلمون له الكرة، يشعر كافة اللاعبين بالاطمئنان لتواجده وسطهم، اعتزل أبوتريكة ولم يستطع أي لاعب أن يملأ دوره المعنوي والتحفيزي داخل الملعب، ولكن بقي لاعبان فقط من الجيل القديم يستطيع أحدهما بث روح الثقة والقياد بالأدوار القيادية: حسني عبد ربه وحسام غالي، ولكن المشكلة أن مركزي اللاعبين يحتاجان للياقة وسرعة وقدرة على الانقضاض. وعليه فقد تكون متابعة أدائهما أحد الحلول لاختيار أحدهما للعب بجوار طارق حامد الذي في حال وجود أيهما بجواره، سيقوم بدور دفاعي قوي يعوض الحالة البدنية لحسني أو غالي التي بالتأكيد لن تكون كما مضى في تاريخ اللاعبين. حل آخر يتمثل في إعطاء الفرصة لتجربة لاعبين جدد واختبار قدراتهم الشخصية ومدى تحكمهم في الأداء، فلاعبون مثل سام مرسي ومحمد أشرف »روقة« ومحمد فتحي وهشام محمد وداوودا، ربما يجد في أحدهم جهازنا الفني ضالته ومنشوده. بقيت نقطة قد تكون تكميلية، وهي إعطاء الفرصة لصانعي ألعاب يتسمون بالشخصية المطلوبة، فلاعب من نوعية صالح جمعة، لايتوارى خلف المدافعين عندما يشتد الضغط العصبي، بل يفضل أن يواجه لاعبي الوسط من الخلف ويبدأ هو الهجمة، قد يكون هو مايحتاجه المنتخب بشكل أكثر من عبد الله السعيد، والذي يجيد اللعب بين الخطوط وليس في مواجهتها. مواصفات قيادية هي بعينها ما يتصف بها هشام محمد ومحمد إبراهيم في حال رجوعه من الإصابة واستعادته لمستواه. لابد أن يعي الجهاز الفني أن الالتزام وحده لايبني فريقا قويا، هناك عوامل أخرى للنجاح من ضمنها البحث عن لاعبين بسمات القادة في الفريق، ومنها عوامل أخرى سنقدمها في مقالات قادمة بإذن الله.