"فيها فتح الله على الإسلام فتوحات عظيمة في دولة الوليد بن عبد الملك على يدي أولاده وأقربائه وأمرائه، حتى عاد الجهاد شبيهًا بأيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه".. كلمات قالها ابن كثير عن فتح بلاد السند والهند، مضيفا: لكن نار الحقد والكراهية طغت على سليمان بن مروان، الذي أمر بعودته إلى دمشق مقيدا بالحبال وقتله من شدة التعذيب دون أي سبب ودون مراعاة له لأنه أول مسلم تمكن من فتح مناطق استعصت على الدولة الإسلامية سابقا. ما قبل الفتح لم تكن محاولة بني أمية فتح بلاد السند والهند الأولى من نوعها في الإسلام؛ فسبقتها عدة محاولات في عهد الخلفاء الراشدين، بدايتها كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم تتابعت الغزوات بعدها في خلافة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، وفي عهد الوليد بن عبد الملك، كان الفتح الفعلي بقرار من الحجاج بن يوسف الثقفي، بعدما وطد أقدام الدولة في بلاد فارس عقب قضائه على تمرد "رتبيل" ملك سجستان، وأرسل الثقفي عدة ولاة لفتح إقليم السند لكنهم قتلوا واحدا تلو الآخر، ليقرر تعيين قائدا كبيرا للمهمة وهو ابن أخيه وصهره محمد بن القاسم الثقفي، الذي أطلق عليه لقب فاتح السند. فتح السند والهند كان محمد بن القاسم الثقفي واليا على فارس في سن السابعة والعشرين من عمره، جهز له الحجاج جيشا كامل العتاد والعدة، وأمده بستة آلاف جندي من الشام، إضافة إلى ما كان معه من الجنود، فأصبح عدد جيش الفتح مجتمعا نحو عشرين ألفا، سار القاسم بجيشه من "شيراز" إلى "مكران"، وأقام بها أيامًا، واتخذها قاعدة للفتح، ثم فتح "قنزابور"، و"أرمائيل"، و"الديبل" القريبة من كراتشي في باكستان حاليا، بعدما حاصرها ثلاثة أيام وأطلق عليها المنجنيق لتفتح أمام القائد المسلم، ويهدم كل تماثيل بوذا الموجودة بها، ويحولها إلى مدينة إسلامية، ويبني بها المساجد ثم يسكنها أربعة آلاف مسلم. بعد فتح "الديبل"، سارع أهل "السند" بطلب الصلح مع محمد بن القاسم فصالحهم، وتوجه بعدها إلى مدينة "البيرون" حيدار أباد حاليا، فصالح أهلها، حتى وصل إلى نهر مهران فعبره والتقى في معركة حامية مع "داهر" ملك السند في 6 رمضان عام 94ه – 4 يونيو 713م"، فهزمه وقتله لتستسلم بقية بلاد السند، وتصبح جزءا من الإمبراطورية الإسلامية. استمر القاسم في طريقه، ففتح مدينة "الملتان" في إقليم البنجاب بجيش تعداده خمسين ألفا من الجنود والفرسان، عشرهم فقط من الجيش الأصلي الفاتح، ومعظمهم ممن انضم إلى المسلمين بعد فتوحاتهم السابقة، وأثناء وجوده بها بلغه نبأ وفاة الحجاج، فحزن، لكنه واصل فتوحاته حتى تعهدت له قبائل "الزط" و"الميد" المعروفين بقطع الطرق البرية والبحرية بالطاعة، ووقفت فتوحاته عند إقليم "الكيرج" على الحدود السندية الهندية. قتل محمد القاسم توفي الخليفة الوليد بن عبدالملك بعد 6 أشهر من وفاة الحجاج، وتولى أخوه سليمان الخلافة والذي كان ناقما على الحجاج لأنه حث الوليد بن عبد الملك على خلع بيعة سليمان وعقدها لابنه عبد العزيز بدلا منه، وما أن تولى الحكم حتى عزل محمد بن القاسم عن ولاية السند، وأمر أن يعود مقيدا إلى دمشق وهناك عذبه حتى الموت، ولم يشفع له جهاده في سبيل الله، بل كان طابع الغضب والانتقام هو كل ما ملأ تفكير سليمان بن عبد الملك.