في ظل الحديث عن الشباب وضرورة تمكينهم ومنحهم الفرص الكاملة في الإسهام في مستقبل الوطن نستلهم الدروس والعبر من تاريخنا الإسلامي الحافل بمهارات قيادية شابة غيرت مجري التاريخ. ومن ابرز تلك النماذج القائد المسلم الشاب محمد بن القاسم الثقفي قائد معركة فتح بلاد السند وفي عهد الخلفاء الراشدين كانت بلاد السند( باكستان الآن) هدفا لحركة الفتح الإسلامي في ظل خلافة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهم أجمعين فأرسلوا الجيوش التي حققت بعض الانتصارات, وفي خلافة معاوية بن ابي سفيان دخل الجزء الغربي للبنجاب في دوله الإسلام. فلما تولي الحجاج بن يوسف الثقفي السلطة جعل من أولوياته فتح باقي بلاد السند والهند ووضعها تحت لواء الإسلام وأيقن انه لن يتم ذلك إلا بوجود جيش قوي وقائد ملهم متميز لكي يهزم جيوش السند القوية بقيادة قائدهم الكبير والقوي( داهر) فوقع اختياره علي اصغر قائد في تاريخ العسكرية هو محمد بن القاسم الثقفي وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة وكان ذلك عام89 هجرية. وعندما تولي محمد بن القاسم الثقفي قيادة الجيش المتجه إلي بلاد السند اشترط علي الحجاج بن يوسف الثقفي عده شروط تبرهن علي مدي الكفاءة القيادية والقتالية لهذا القائد الشاب وهي: أن يكون الجيش كامل التجهيز والإعداد والمؤن حتي لا تتوقف مسيرة الفتح, فأمده الحجاج بجيش يقدر بسته ألاف مقاتل مجهزين بكل شيء. وان يرافق الجيش أسطول بحري ليكون الهجوم مزدوجا وفي اتجاهين ووافق الحجاج, وان يواصل الجهاد والسير حتي ينتهي من فتح بلاد السند بأكملها ووافق الحجاج. تقدم محمد بن القاسم الثقفي إلي بلاد السند وكان هدفه الرئيسي فتح بلاد السند وما وراءها من بلاد الهند ونشر الإسلام في هذه الربوع الشاسعة فتحرك قاصدا الحصن الحصين لجيوش( داهر) قائد السند وهي مدينه الدبيل فحاصرها يوم جمعة ووافاه الأسطول بالآت الحصار ومنها المنجنيق الكبير المشهور باسم العروس,وضرب محمد بن القاسم الثقفي حصارا شديدا علي المدينة الحصينة واستمات الهندوس في الدفاع عن مدينتهم وفي أثناء ذلك لاحت لمحمد بن القاسم فكرة عبقرية لفتح المدينة تعتمد في الأساس علي خبرته بنفسية الأعداء وطبيعة تفكيرهم, فلقد كان بالمدينة معبد ضخم لصنم معروف عندهم علي قمته سارية خشبية طويلة جدا في نهايتها راية حمراء كبيرة إذا هبت الرياح تحركت هذه الراية وكأنها كالمروحة الدائرة وهي مقدسه عندهم, فأمر محمد بن القاسم الثقفي بتوجيه قذائف المنجنيق إلي هذه السارية حتي كسرها وهو يعلم مدي تأثير ذلك علي الهندوس بتشاؤمهم من ذلك وبالفعل مع انهيار السارية انهارت الروح المعنوية واقتحم المسلمون المدينة وفتحوها بعد معركة طاحنة,ثم واصل محمد ابن القاسم الثقفي سيره واستطاع أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو ما دون الثامنة عشرة, وبالفعل اسلم عدد كبير من بدو الهنود وانضم منهم أربعه ألاف رجل يقاتلون مع محمد ابن القاسم الثقفي مما كان له اثر كبير في القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم بلغه الهنود. كانت الأخبار قد وصلت إلي ملك الهند داهر فاستعد للقاء الجيش الإسلامي بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير في ذلك وهم الفيلة فاستخف بالمسلمين لقلتهم لكنه فوجيء بالإعصار الإسلامي يعبر نهر مهران الفاصل بينه وبين المسلمين ووجد داهر الذي كان علي ظهر فيل كبير نفسه وجها لوجه مع محمد بن القاسم الثقفي وجنوده ويقتتل الفريقان قتالا مهولا ويري داهر جنوده صرعي من حوله فنزل من علي ظهر فيله ويقاتل بنفسه حتي يأتيه قدره ويقتله المسلمون. وبعد أن نجح محمد بن القاسم الثقفي في القضاء علي ملك السند داهر برز له ملك آخر كان بمثابة الساعد الأيمن لداهر واسمه( دوهر) وكان ملكا علي إقليم الكرج وهي أقصي بلاد السند علي حدود بلاد الهند فاستعد دوهر للقاء المسلمين, ولكنه هزم وقتل كما قتل داهر. وفي هذه الفترة مات الحجاج بن الثقفي والي العراق الشهير وابن عم محمد بن القاسم الثقفي ولكن هذا لم يرد عزم القائد محمد بن القاسم عن مواصله الفتح حتي أصبح الطريق مفتوحا إلي بلاد الهند وبالفعل بدأ محمد بن القاسم الثقفي في فتح مدن الهند ففتح مدينة سرست فدخل أهلها في طاعة المسلمين وكان بحاره مهره استفاد منهم المسلمون وبذلك تم فتح بلاد السند بواسطة اصغر قائد في التاريخ العسكري محمد بن القاسم الثقفي الذي يعتبر قائدا متميزا في التاريخ العسكري علي مدي العصور حيث قاد اكبر المعارك الحربية وعمره لم يتجاوز العشرين عاما, وكان ذلك في شهر رمضان المبارك عام89 هجريا.