يعد مؤتمر بازل بسويسرا، الذي عقد قبل 120 عامًا بقيادة الصهيوني تيودور هرتزل، بداية المأساة والنكبة الفلسطينية؛ حيث حددت فيه الدولة التي سيحتلها اليهود ويُنشأ فيها دولتهم المزعومة دون وجه حق. وتحت تنظيم مؤسس الحركة الصهيونية العالمية الكاتب اليهودي المجري تيودور هرتزل، عقد المؤتمر بين 29-31 أغسطس عام 1897، تحت شعار «العودة إلى صهيون»، وحضر المؤتمر 204 مندوبين يهود، 117 منهم مثلوا جمعيات صهيونية مختلفة، وسبعون منهم جاءوا من الاتحاد السوفيتي، كما حضر المؤتمر مندوبون من الأمريكيتين والدول الإسكندنافية. والغريب أن المؤتمر كان سيتم إلغاؤه لأسباب تنظيمية، حيث كان مقرر أن يعقد في مدينة ميونخ الألمانية، إلا أن الجالية اليهودية في المدينة عارضت ذلك لأسباب خاصة بها، لكن تم نقله إلى مدينة بازل السويسرية، بعدما أصر هرتزل على عقد المؤتمر الصهيوني الأول بهدف، كما قال في خطابه «وضع الحجر الأساسي للبيت الذي سيسكنه الشعب اليهودي في المستقبل»، وأعلن فيه «أن الصهيونية هي عودة إلى اليهودية قبل العودة إلى بلاد اليهود»، مقرًا أهداف الصهيونية المعروفة منذ ذلك الوقت باسم "برنامج بازل". ورغم أن التاريخ وما كتب عن المؤتمر، يؤكد اقتصاره على الأبحاث والمناقشات والمداولات الخاصة بتطوير الحركة الصهيونية دون أن يكون هناك التزام واضح من هرتزل على إقامة دولة لليهود، إلا أن المؤتمر تم فيه طرح عدد من الخيارات المفضلة للحركة الصهيونية لإنشاء هذا الكيان، وباسترجاع الكتب الصهيونية قبل انعقاد المؤتمر فكان محدد له سابقًا أن يكون انطلاقة صهيونية باتجاه القدس كما ظهر جليا في كتاب هرتزل "الدولة اليهودية". وبخلاف ذلك، شكل للمؤتمر نقطة تحول مهمة في تاريخ الحركة الصهيونية؛ حيث استطاع مؤسسوه جمع معظم صهاينة العالم تحت سقفٍ واحد ضمن إطار المنظمة الصهيونية العالمية التي تولت بعدها الإشراف على الأجهزة الصهيونية، حيث تم إنشاء لجنة تنفيذية عن المؤتمر تكونت من 15 عضوًا كانت بمثابة مجلس شورى الصهيونية وأخرى صغرى تكونت من خمسة أعضاء كانت بمثابة حكومة. وتم تأسيس مكتب مالي لجمع الاشتراكات والتبرعات الصهيونية السنوية من جميع اليهود في العالم، كما وضع المؤتمر برنامجا سارت عليه جميع المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك، ونصب المؤتمر تيودور هرتزل رئيسا له ورئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية. ونتيجة تزايد الضغوطات اليهودية علي بريطانيا بعد ثمانية أعوام من عقد المؤتمر، عرضت الحكومة البريطانية على المنظمة الصهيونية ستة آلاف ميل مربع من أراضي أوغندا لإقامة الوطن القومي اليهودي، لكن "منظمة الأرض اليهودية"، التي تشكل أحد أذرعه تلك المنظمة، رفضت العرض، وأصرت على أن يكون في فلسطين، وفق رؤية دينية لفقتها الحركة الصهيونية لخداع العالم أنهم لهم جذور تاريخية ودينية. فبعد مؤتمر بازل الأول تم الترويج لخدعة وجود اسم فلسطين في التوراة، خاصة بعدما شعر هرتزل أن أثرياء يهود بريطانيا بشكل خاص، لم يكونوا متحمسين كفاية لتمويل مشروع (الوطن القومي) في فلسطين، ربما لإدراكهم بالتعقيدات السياسية، وهكذا تبلور تياران داخل المؤتمر، أحدهما يرى أن أرض الميعاد قصة دينية، يمكن أن تتجسد في أي (وطن)، وبالتالي، فقد طرح هذا التيار خيار أوغندا (إفريقيا) أو الأرجنتين، أما التيار الثاني الرافض للفكرة، فهو الذي تشبث بإقامة دولة في فلسطين وطابق زورًا اسم (فلشتيم) مع اسم فلسطين، والمناداة بها كأرض ميعاد. وبحسب الكاتب العراقي، فاضل الربيعي، في مقال له سابق، فإنه لا وجود قط لاسم فلسطين أو فلسطينيين في التوراة، وكل ما يقال ويزعم في الدراسات والبحوث التاريخية "المعاصرة" عن وجود الاسم منذ عام 500 قبل الميلاد، هو تسويق مجاني لفكرة زائفة لا أساس ولا سند لها، لا في التاريخ ولا في النصوص الدينية، مؤكدًا أن هذه خدعة استشراقية مصممّة لأغراض تبرير اغتصاب فلسطين، من خلال الترويج لأسطورة العلاقة بينها وبين التوراة، وبزعم أن الاسم قديم وأنه ورد كتوصيف لأرض الميعاد. وأضاف أن اسم فلسطين والفلسطينيين لم يظهر في السجلات التاريخية إلا نحو عام 330 ميلادية، مع التقسيم الإداري الروماني البيزنطي لسوريا، حيث كانت فلسطين من الناحية التاريخية والإدارية، جزءا من سوريا التي أصبحت في قبضة البيزنطيين، ولذلك، يصبح أمرا مخالفا لكل وأي منطق تاريخي، قبول الخرافة القائلة إن التوراة المكتوبة عام 500 قبل الميلاد، ذكرت اسم فلسطين الذي لن يظهر إلا في 330 ميلادي، أي بعد أكثر من 800 عام على الأقل من كتابتها، حسب قول الكاتب. واستخدمت الحركة الصهيونية هذه الخدعة في تثبيت أركان مخططها الهادف إلى إنشاء دولة في فلسطين، فمع انتصار التيار الثاني الذي رفض فكرة إنشاء دولة في الأرجنتينوأوغندا، جرى تطوير فكرة ذكر فلسطين التوارة بأسطورة (تسلل الفلسطينيين) من كريت اليونانية إلى فلسطين؟ وكان الغرض من هذا التلفيق الذي قام به التيار التوراتي في علم الآثار، تصوير اليهود كأصحاب حق تاريخي في الأرض، وتبرير طرد الفلسطينيين "كشعب متسلل" سجلت التوراة قصة تسلله، استندت هذه الأسطورة إلى بضعة أبيات من الشعر وردت في التوراة، كتبها الشاعر الكاهن حزقيال. وبعد تحريف الحقائق وتزوير التاريخ والدين لتثبت فكرة أن فلسطين مذكورة في التوراة، مر عشرون عامًا على المؤتمر الأول للحركة الصهيونية وتزايدت الضغوط الصهيونية والدولية أكثر، لاسيما بعدما رفضت الحركة تأسيس دولة في الأرجنتينوأوغندا، واستغلت الحركة الصهيونية انتشار اليهود المشاركين في الحركة بجميع دول العالم، أبرزها بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية والمعسكر الغربي الذي تشكل منه حلفاء الحرب العالمية الأولى، لذلك أصدر وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور في عام 1917 وعده المشئوم الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، مستغلًا الانتداب البريطاني على فلسطين، وقضى بإقامة الوطن اليهودي على أجزاء من فلسطين، وتبنى الرئيس الأمريكي هاري ترومان ذلك الوعد، وتطور الحال في ظل ضعف عربي وتآمر دولي إلى أن جاء المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين الذي انعقد في بازل السويسرية أيضا عام 1946 وتبنى بدوره مشروع «بلتمور 1942» الذي قضى هو الآخر بإنشاء دولة يهودية في فلسطين كبرنامج للحركة الصهيونية. موضوعات متعلقة