يعتبر الرباع المصري خضر التوني مثالا حيا للكفاح والمثابرة من أجل الوصول للهدف؛ فتمكن وبمجهود فردي من تحطيم الأرقام القياسية، بل وتمثيل مصر دوليا دون دعم من أي جهة حكومية حتى حفر اسمه بحروف من نور في التاريخ المعاصر. نشأته ولد خضر التوني في 15 ديسمبر عام 1916، بحي شبرا بالقاهرة، ونشأ في أسرة بسيطة، لم يتلق أي تعليم وكان شغوفا بالرياضة؛ ففي أحد المرات شاهد تلاميذ يصنعون ثقلا بيد مقشة في طرفيها حجران متساويان، بجوار جامع الخازندارة، واستمر وضع الأحجار حتى بلغ وزنها 80 كغ، حاول الجميع رفع الثقل دون جدوى، ووقف الفتى الذي لا يتجاوز 17 سنة يراقب الموقف، وتمنى لو دعاه أحدهم ليجرب حظه في رفع الثقل، لمح تلميذ منهم ذلك الفتى، ورأى في عينه رغبة قوية في مشاركتهم، وسمحوا له أن يحاول رفع الثقل، وبمنتهى البساطة حمله دون أن يظهر عليه أدنى تأثر. رحلة رفع الأثقال بعدها اشترك في نادى شبرا الرياضي، حيث مارس هواية رفع الأثقال وقتها، أعفي من رسم الاشتراك لنبوغه الرياضي، وبعد عامين، شارك التوني في بطولة القاهرة مسجلا رقما مصريا قياسيا قدره 245 كجم خطف ونطر، كما تمكن من تحطيم الرقم القياسي العالمي الذي كان مسجلا ب106.5 كجم، ليتمكن من رفع 107.5 كجم. في سنة 1936، اشتركت مصر في دورة الألعاب الأوليمبية الحادية عشرة في برلين عاصمة ألمانيا، ومثّل التوني مصر فيها، وكان على موعد مع مقابلة أبطال العالم في اللعبة وكسر أرقامهم، وقتها كانت الصحف العالمية ترجح كفة الثنائي الألماني أزمير ووأغنر للفوز بالمرتبتين الأولى والثانية، وكان زعيم ألمانيا أدولف هتلر، واثقا من فوزهما. هتلر والتوني كانت أرقام أزمير في مجموعها 842 رطلا، ولم يستطع أحد كسرها ورشحته للفوز بذهبية البطولة، لكن كان هناك شاب مصري اسمه خضر التوني فاجأ الجمهور الذي كان يشاهد المباراة، وعلى رأسه زعيم ألمانيا هتلر، برفع أثقال مجموعها 853 رطلا، أي أكثر 11 رطلا عما رفعه أسطورة ألمانيا. فازت مصر بالذهبية ووقف هتلر لمقابلة بطل رفع الأثقال الجديد، قائلا له: "أهنئك، ولمصر أن تفخر بك، أرجو أن تعتبر أنك هنا في ألمانيا بلدك الثاني، وددت لو كنت ألمانيا"، ثم قرر إطلاق اسمه على أحد شوارع مدينة ميونخ في ألمانيا تكريما له، وظل التوني لمدة 15 عاما محافظا على أرقامه ومحتفظا ببطولته، وهو ما لم يحققه غيره في سجل التاريخ الرياضي. قالوا عن التوني في عام 1956، كتب عنه الناقد الرياضي، شارك كوستر، في مجلة "الصحة والقوة" بعنوان "جبار رفع الأثقال"، قائلا: "لدي اعتبارات قاطعة حين أقول إن خضر التوني هو أعظم بطل أوليمبي في رفع الأثقال في العصر الحديث، لقد كان رجل الساعة في أولمبياد برلين سنة 1936، وسحق منافسيه تماما". ووضع اسمه في صدارة قائمة عظماء الحديد في التاريخ، وهي القائمة السنوية التي يصدرها الاتحاد الدولي، وتشمل 50 أعظم بطلا في التاريخ وفقا للأرقام المسجلة، والأمد التاريخي الذي عاشته، حيث لم تتحطم أرقامه لمدة 50 عاما فمنذ دورة برلين وخضر التوني يحتل رقم 1 في هذه القائمة، حتى عام 1996 حين استطاع البطل التركي سليمانو غلو كسر هذا الإعجار واحتلال المركز الأول، ليتراجع خضر التوني إلى المركز الثاني في قائمة العظماء السنوية. وفاته تعتبر وفاة التوني واحدة من العجائب؛ فلم تكن ممارسة الرياضة وقتها تحقق مكاسب مادية كبيرة، بل هواية فقط، وكان الفائزون والمتميزون فيها يحصلون على قسائم من شركة الترام لركوبه مجانا، وكانوا يحصلون على بوليسة تأمين بقيمة ألف جنيه وهي ما استردها التوني لبناء منزل لأولاده في حلوان، وبالفعل تمكن من ذلك، لكنه أثناء تركيب أحد المصابيح تعرض لماس كهربائي أرداه في الحال عن عمر ناهز أربعين عاما.