تطورات شهدها الملف الليبي في الأيام الماضية، تعيده إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط مرة أخرى، فبعد لقاء جمع رئيس مجلس النواب الليبي عقيله صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي في إيطاليا منذ أيام، نجحت الإمارات في استضافة اجتماع بين رئيس الحكومة فائز السراج والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. ويعتبر هذا اللقاء تطورًا مهمًّا على صعيد ليبيا، حيث رآه كثيرون تحولًا في الأزمة الليبية، بعد الانسداد السياسي الذي استمر أكثر من عام، إثر الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية بين الفرقاء المتصارعين على الشرعية والحكم، فمنذ التوقيع على الاتفاق قبل وتدور في رحاب ليبيا معارك دامية لم تهدأ، على خلفية عدم منح البرلمان الثقة لهذا الاتفاق وعدم التوصل إلى توافق بشأن كيفية إدارة الجيش، حيث ظل الاتفاق معلقًا، حيث اشترط مجلس النواب لتضمين الاتفاق في التعديل الدستوري حذف بعض مواده، وهو الأمر الذي انعكس على الأرض، وأدى إلى اشتباك حقيقي بين قوات الجيش التابعة لحفتر والمليشيات التابعة لحكومة السراج. بنود الاتفاق رغم أنه لم يصدر بيان توضيحي من المجلس الرئاسي أو الجيش الليبي لنقاط الاتفاق، إلا أن الإعلام سرب الكثير منها، وقالت مصادر ليبية مطلعة ل "البديل" إن نتائج الاتفاق النهائية ستصدر في اللقاء الثاني بالقاهرة، والذي من المتوقع أن يجرى منتصف مايو الجاري. وكشفت المصادر الليبية أن حفتر والسراج اتفقا على إجراء انتخابات عامة بعد 6 أشهر من توقيع الاتفاق، مضيفة أنهم أكدوا على ضرورة حل المجموعات التي وصفها الاثنان بالمسلحة غير النظامية ومحاربة الإرهاب، وتشكيل مجلس رئاسة الدولة في ليبيا، على أن يكون المجلس بمثابة القائد الأعلى للجيش، ويتشكل من عقيلة صالح، وفايز السراج، وخليفة حفتر. ومن بين نقاط التشاور التي لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن إلغاء وزارة دفاع حكومة الوفاق وخروج البرغثي مع حقيبته، وتم الاتفاق أيضًا على مواصلة محاربة الاٍرهاب حتى القضاء عليه نهائيًّا، وإبعاد النزعة الأيديولوجية أو الحزبية أو المناطقية عن الحكومة المقبلة، وأخيرًا الاتفاق على ضرورة الامتثال لجميع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم الليبية. مستقبل الأزمة الليبية رغم أن الكثير من المراقبين ينظرون إلى ما خرج عنه اللقاء من خلال التسريبات الإعلامية بنظرة إيجابية، ويعلقون عليه آمالًا واسعة؛ لإنهاء الفوضى وعدم الاستقرار الذي ضرب ليبيا منذ ما يقارب الستة أعوام، بعد ثورة فبراير التي أسقطت الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لا سيما وأن العوامل الإقليمية والداخلية تساعد حاليًّا على توحيد البلاد في حكومة مركزية واحدة تجمع الشرق والغرب، إلا أن كثيرين يتخوفون من تجارب الاتفاقيات السابقة التي باتت في النهاية حبرًا على ورق. واستمرت القطيعة بين المشير خليفة حفتر وفايز السراج طيلة عام ونصف، حيث كان يفترض أن يلتقيا في القاهرة منتصف فبراير بمبادرة مصرية للتفاوض بشأن التعديلات على الاتفاق السياسي، لكن حفتر رفض اللقاء؛ ليبرر ذلك فيما بعد بأن المسائل السياسية ليست من اختصاصاته كقائد عسكري، وبعد إلغاء لقاء القاهرة حمل السراج حفتر مسؤوليته، معتبرًا أنه تم تفويت فرصة ثمينة لبدء إيجاد حل لانقسام البلاد ومعاناة الشعب الليبي. وثمة مؤشرات تؤكد أن السراج سيواجه صعوبات كبيرة في قدرته على الوفاء بما تعهد به لحفتر عند عودته إلى طرابلس، لا سيما وأن قوى المعارضة لحفتر في العاصمة قد تقوم بمنعه من مزاولة عمل الحكومة من هناك، وهو ما سيهدد باندلاع اشتباكات بين ميليشيات مؤيدة لنتائج اللقاء وأخرى رافضة له، حيث نددت تصريحات جماعات ليبية متشددة بتوافق السراج مع حفتر. لكن بعيدًا عن ذلك، وبحسب المتابعين فإن التهيئة الإقليمية لتوافق واسع وأشمل بين الفرقاء الليبين أصبحت قريبة، لا سيما وأن هناك ضغطًا قوىًّا إقليميًّا وغربيًّا على حفتر والسراج؛ لوضع حد للصراع التشريعي والتنفيذي القائم، وقالت وزارة الخارجية الإمارتية إن الاجتماع "يعد خطوة هامة على طريق إحراز تقدم في العملية السياسية وخطوة إيجابية، تدعو إلى التفاؤل نحو ضمان حل سياسي"، معربة عن أملها بأن يكون الاجتماع "بمثابة الخطوة الأولى من ضمن مجموعة من الخطوات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار". وشددت الوزارة الإماراتية على أن الاتفاق السياسي "يمثل أفضل إطار للتوصل إلى مخرج من المأزق الحالي"، لكنها طالبت في الوقت ذاته بتغيير رئيس بعثة الأممالمتحدة مارتن كوبلر "في أسرع وقت"؛ لضمان مواصلة الأممالمتحدة في كونها داعمًا قويًّا للجهود الرامية إلى معالجة الأزمة. واعتبرت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة اللقاء خطوة جادة لإعادة الثقة ووضع أسس وفاق وطني حقيقي، بعد إدخال تعديلات على الاتفاق السياسي الليبي، مشيرة إلى وجود "تنسيق للجهود الدبلوماسية بين القيادتين السياسيتين في مصر والإمارات الرامية لتحقيق الاستقرار ووحدة أراضي ليبيا ودرء خطر قوى الشر الإرهابية".