في الوقت الذي تنشغل فيه تركيا بالاستفتاء على التعديلات الدستورية المزمع إجراؤه في 16 إبريل المقبل، خرج الرئيس التركي ليعيد الحديث عن العمل بقانون الإعدام، حيث أعلن أردوغان، أمس السبت، أنه يتوقع موافقة البرلمان على إعادة العمل بعقوبة الإعدام بعد استفتاء السادس عشر من إبريل حول توسيع صلاحياته. وقال الرئيس التركي: عائلات الشهداء، عائلات أبطالنا يجب ألا تشعر بالقلق، أعتقد أن البرلمان سيفعل اللازم إن شاء الله بشأن مطلبنا حول عقوبة الإعدام بعد 16 إبريل، وتابع: "لا يهمنا ما سيقوله هانس أو جورج"، وهما اسمان يستخدمهما أردوغان عادة في حديثه عن أوروبا، مؤكدًا أنه سيوقع النص بلا تردد، وأضاف "ماذا سيقول شعبي؟ ماذا سيقول القانون؟ هذا ما يهم". التصريحات التركية تزامنت مع اعتراف مهم جاء على لسان رئيس الوزراء التركي، بن على يلدريم، بمدى تصاعد حالات القمع والاعتقال والاستبداد في تركيا، حيث قال يلدريم في أوخر فبراير الماضي، إن ثمة بعض الاكتظاظ بسبب الحرب ضد ما وصفه بالإرهاب، مضيفًا أن المدانين بعقوبات مخففة قد يتم نقلهم إلى سجون مفتوحة، لإفساح المجال لعشرات الآلاف من المعتقلين في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي وقع في يوليو الماضي، وتابع أن سياسة النقل لن تطبق على الجرائم الكبرى مثل الإرهاب والجريمة المنظمة وإساءة معاملة الأطفال. في ذات الإطار، فقد ذكرت إحصائيات رسمية تركية عن اعتقال السلطات التركية أكثر من 41 ألف شخص خلال 8 أشهر من محاولة الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، بزعم التعاون مع المعارض التركي البارز، فتح الله جولن، غالبيتهم لم يتم التحقيق معهم حتى الآن. الحديث الأردوغاني الجديد عن عودة العمل بعقوبة الإعدام التي سبق أن ألغتها أنقرة في عام 2004، من أجل ترشحّها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لم يكن الأول هذه المرة، فمنذ وقوع الانقلاب الفاشل في تركيا في منتصف يوليو الماضي، شدد أردوغان مرارًا على أنه سيوافق على إعادة العمل بعقوبة الإعدام إذا صوت البرلمان على ذلك، حتى إنه تحدث في فبراير عن إمكانية طرح القانون للاستفتاء، وهو ما أثار ضجة كبيرة حينها لدى المجتمع الدولي، حيث حثت الأممالمتحدة، على لسان نائب الأمين العام للمنظمة، فرحان حق، تركيا على عدم العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام، وقال حق: لقد بعثنا رسالة مفادها أننا نفضل عدم إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في الدول التي ألغتها سابقًا، أما الدول التي تلتزم بالحظر على تطبيق عقوبة الإعدام، فنود إبقاءها على الحظر". ورأى مراقبون أن أردوغان اختار الحديث عن قانون الإعدام مجددًا في هذا التوقيت بعد أن لوح الاتحاد الأوروبي وأنقرة بانتهاء المفاوضات حول انضمام تركيا إلى التكتل الأوروبي، وذلك على خلفية الأزمة الضخمة التي وقعت بين تركيا من ناحية ودول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها هولندا وألمانيا من ناحية أخرى، حيث كان قانون الإعدام يمثل عقبة تركية في طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الأزمة الأخيرة التي توحي بانهيار العلاقات التركية الأوروبية فتحت الباب مجددًا أمام أنقرة لاحتمالية عودة العمل بقانون الإعدام. في الوقت نفسه، فقد رأى آخرون أن تصريحات أردوغان الحالية بشأن إعادة العمل بقانون الإعدام جاءت في إطار محاولات كسب تأييد القوميين المتطرفين فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية القادمة، حيث تؤيد هذه الشريحة عقوبة الإعدام وكانت من أشد المعارضين لإلغائها عام 2004، فقد سبق أن دعا زعيم اليمين القومى المتطرف، دولت بهجلى، قبل أيام القادة الأتراك إلى وقف المماطلة فى موضوع إعادة العمل بعقوبة الإعدام، وقال: "إذا كنتم صادقين، فستحظون بدعمنا"، وهو ما ظهر في تصريحات سابقة للرئيس التركي نشرتها صحيفة حرييت التركية، وقال فيها أردوغان: قلت إننى سأدعم إعادة تطبيق عقوبة الإعدام إذا أقرها البرلمان، ولكن المشكلة هى أن مثل هذا التغيير يتطلب تعديلًا دستوريًا، لذا فإننى أقول الآن سنمهد الطريق أيضًا لإجراء استفتاء حول هذا الأمر إذا تم رفضه من قبل البرلمان. الخطوة المتهورة التي قد تُقدم عليها تركيا بعد إجراء الاستفتاء الدستوري الشهر المقبل قد تجعلها تواجه المزيد من الضغوط الدولية وخاصة الأوروبية، في وقت تتصاعد فيه المواجهات التركية مع بعض دول العالم وتتدهور فيه العلاقات الخارجية التركية.