في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات العربية العربية حالة من التوتر الناجم عن خلافات سياسية تقودها عرّابة الخلافات في الشرق الأوسط الولاياتالمتحدةالأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني، يبدو أن هناك محاولات إيرانية لإحداث تطبيع ما في العلاقات مع مصر، وبغض النظر عن المشتركات بين طهرانوالقاهرة كعضوية كل منهما في منظمة التعاون الإسلامي، فإن ما يؤسس لوجوب وجود مرونة في العلاقات على أسس جديدة هو وجود الكيان الصهيوني، والذي يعتبر جميع العرب والمسلمين أعداء على حد سواء، كما جاء في كتبهم التي يقدسونها. تصريحات الخارجية الإيرانية قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الاثنين الماضي، إن "مصر بلد مهم"، وأشار إلى أن الاتصالات بين الجانبين تجري على مستوى مكاتب رعاية المصالح. ووفقًا لما نقلته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية إرنا، أعرب قاسمي عن أمله في "تسوية المشاكل بين البلدين لارتقاء العلاقات الثنائية"، وقال إن "العلاقات بين البلدين لا يمكن أن تكون من طرف واحد". وأشار إلى "عدم وجود تقدم خاص في علاقات البلدين في الظروف الحالية، وأن الاتصالات بين البلدين تجري على مستوى رعاية المصالح، وفي بعض الأحيان تجري لقاءات بين مسؤولي البلدين إذا تطلب الأمر". وليست هذه التصريحات الأولى لطهران في محاولتها التقارب مع القاهرة في أقل من شهر، فرئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، أكد أن إيران ومصر باعتبارهما دولتين مهمتين تستطيعان التعاون في إيجاد حلول لمشاكل المنطقة، بحسب وكالة "فارس" الإيرانية. ووفقًا للأهرام المصرية سافر وفد دبلوماسي شعبي مصري لإيران؛ بغرض التمهيد لعودة العلاقات بين البلدين، وإبداء طهران مرونة في ذلك، مما أشاع حالة من التفاؤل بين الجانبين. العلاقات المصرية الإيرانية العلاقات المصرية الإيرانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة مرت بثلاث مراحل، الأولى في حقبتي الخمسينيات والستينيات، حينما دخل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وشاه إيران محمد رضا بهلوي في خصومة عنيفة، فعبد الناصر كان يرى مصر قائدة للمعسكر المناهض للولايات المتحدة في العالم العربي، بينما كان شاه إيران يصور نفسه كجزء من المعسكر الموالي لأمريكا، بل إنه باع النفط لإسرائيل؛ مما أثار ازدراء عبد الناصر. المرحلة الثانية حدثت عندما تحسنت العلاقات المصرية الإيرانية زمن الشاه بشكل ملحوظ في أعقاب كسر الرئيس المغتال أنور السادات العلاقات مع الاتحاد السوفييتي، وتحوله تجاه المعسكر الأمريكي في المنطقة، الطور الثالث اتسم بتدهور العلاقات الثنائية في أعقاب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979. الروابط الودية المصرية مع الكيان الصهيوني والمتمثلة في كامب ديفيد، والمواقف الموالية للولايات المتحدة بالمنطقة، ودعم العراق أثناء الحرب مع إيران، وتسمية شارع في طهران باسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات، والعلاقات الوطيدة مع دول الخليج، عوامل تسببت في توتر ملحوظ في العلاقات الإيرانية المصرية، والمحاولات المختلفة لإعادة تقارب العلاقات حدثت مرات عديدة بلا جدوى، حيث انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وبعد عزل الرئيس الأسبق، حسني مبارك عام 2011، حدثت محاولة إعادة تقارب بين مصر وإيران، حيث سمح المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية لسفن إيرانية بالإبحار عبر قناة السويس للمرة الأولى خلال 30 عامًا. عوامل التقارب هناك مجموعة من العوامل قد تلعب دورًا في تقريب وجهات النظر بين القاهرةوطهران، منها: الكيان الصهيوني لا يختلف أحد على أن الكيان الصهيوني يضع مصر على قائمة العشاء الإسرائيلية، فعلمه المخطوط باللون الأزرق، واستراتيجية تمدده من الفرات إلى النيل، مؤشرات على أن حربه مع القاهرة قادمة لا محال، ولكن المسألة مسألة وقت ليس إلا، فتل أبيب تسعى لإضعاف الجيوش العربية أولًا قبل خوضها أي معركة مع الجيش المصري، فالكيان الصهيوني وبالتعاون مع أمريكا نجح في تفكيك الجيش العراقي، وإضعاف الجيش العربي السوري جيش مصر الأول، فبصمات دولة الاحتلال لا تغيب عن الملف السوري، ويدور الحديث اليوم عن محاولات لإضعاف الجيش الجزائري عبر تنظيمات متطرفة تحرك من قبل الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن وجود علاقات مصرية مع إيران يمكن توظيفها في الحروب المستقبلية مع الأعداء، خاصة أن إسرائيل تعتبر إيران الخطر الأول عليها، وبالتالي الورقة الإيرانية مهمة للجانب المصري في أي صراع مستقبلي مع تل أبيب، فمن غير المقبول أن تسعى القاهرة لتطبيع علاقاتها مع العدو الإسرائيلي، ولا تطبع علاقاتها مع طهران الخصم المباشر للعدو الصهيوني. حماس عندما قررت تركيا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، حاولت التغلغل في قطاع غزة عبر تحالفات مع حماس، في المقابل نرى أن هناك جهودًا مصرية لتقاربات مع حماس، الأمر الذي يتجلى في فتح معبر رفح ومحاولات التنسيق الأمني بين الطرفين. في مؤتمر طهران الأخير وتحت عنوان "أبعد من الانتفاضة" رسمت إيران الخطوط الحمراء في تعاطيها مع الفصائل الفلسطينية ومنها حماس، وقالت إن التجاذبات السياسية الدائرة حاليًّا في الشرق الأوسط، والتي تشغل الأمة عن محاربة الكيان الصهيوني، يجب أن ترمى خلف الظهر، وبالتالي صوبت إيران البوصلة مجددًا إلى العدو المركزي، وهو الكيان الصهيوني، وهنا يمكن للقاهرة حماية خط دفاعها الأول المتمثل في قطاع غزة، عبر التنسيق مع طهران، خاصة بعد عودة العلاقات التركية مع العدو الإسرائيلي، فحماس يبدو أنها متقبلة للدعم الإيراني طالما أن طهران ستدعمها بالمال والسلاح لمقارعة العدو، ومع وصول صقور حماس للمناصب السياسية في الحركة قد تصبح حماس أقرب لطهران، وأي تنسيق بين القاهرةوطهران قد يرعب تل أبيب، فالباحث الصهيوني، بنحاس عنباري، المقرب من الحكومة الصهيونية قال إن القاهرة ستفضل في اللحظة الحاسمة التأثير الإيراني في غزة على نفوذ تركيا وقطر. واعتبرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية أن تقارب مصر وإيران الأخير يمثل مؤشرًا خطرًا على علاقتها بالولاياتالمتحدةالأمريكية. داعش تشكل روسياوإيران حاليًّا مثلًا مهمًّا في محاربة داعش، فطهران تتفوق على روسيا في محاربة داعش، فبالإضافة لجهودها في سوريا لها تواجد في العراق، وبالتالي محاربة الإرهاب نقطة تلتقي فيها القاهرة مع طهران، ولا يبدو أن صناع القرار في القاهرة يغيب عنهم هذا الموضوع، فتقارب مصر مع روسيا حول الملف السوري لا يخفي مخاوفهم من داعش الإرهابية المتواجدة في سيناء، والتي يبدو أن إسرائيل بدأت تستغلها مؤخرًا بما يخدم مصالحها، فتل أبيب بدأت في الإعلان عن تدخلات عسكرية في سيناء بذريعة داعش، كما أن داعش بدأت تعمل على تهجير المسيحيين من سيناء لأسباب مشبوهة. الوضع الاقتصادي خلاف القاهرة والرياض ووقف الأخيرة إمداد مصر بالنفط فتحا الأبواب على ضرورة إيجاد بدائل اقتصادية لمصر، فكثير من الهمهمات دارت في الأروقة المصرية عن بديل إيراني للنفط السعودي؛ لحل أزمة النفط الخانقة التي مرت بها البلاد، وبالرغم من أن مصر لم تحل مشكلتها عبر البوابة الإيرانية، إلا أن حل المشكلة جاء من الحديقة الخلفية لطهران، وهي دولة العراق الشقيقية، التي أمدت مصر بالنفط مع تسهيلات في السداد، وبسبب الحضور الإيراني في العراق كداعم للحكومة العراقية ضد الإرهاب، غالبًا ما يكون هناك تنسيق في العديد من الأمور بين بغدادوطهران، من بينها التحركات الاقتصادية، وهنا أيضًا لا يمكن إغفال دور مصر الداعم للجيش العراقي. الجدير بالذكر أن نائب محافظ البنك المركزي الإيراني، أكبر كوميجاني، زار القاهرة نهاية العام الماضي قادمًا من طهران، وقال مراقبون إن الزيارة ذات مغزى سياسي، رغم غطائها الاقتصادي، معتبرين أنها "جس نبض" بين القاهرةوطهران، يرشح لانفتاح أوسع في علاقات البلدين، في الفترة المقبلة، بعد أن تلاقت رؤيتاهما في التعاطي مع ملفات إقليمية عدة، ومن أبرزها الملفات السورية والعراقية واللبنانية واليمنية.