تصاعدت لهجة تهديدية مُعادية بين اليونان وتركيا خلال الأيام الأخيرة الماضية، وأشعل فتيلَ الأزمة مجموعة من العساكر الأتراك الذين اختاروا اللجوء السياسي إلى اليونان، بعد هروبهم من حملات الاعتقال التي استهدفت العسكريين في تركيا عقب فشل الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 15 يوليو الماضي، لتبدأ التوترات بين الطرفين، وفي الوقت الذي استبعد فيه مراقبون أن يتطور الأمر إلى مواجهات عسكرية، رجح كثيرون أن يصل التوتر بين الطرفين إلى مواجهات سياسية وربما حرب باردة بين الدولتين. الأزمة عادت العلاقات اليونانية التركية إلى سابق عهدها من التوتر والاضطراب بعد هدنة طويلة قلت خلالها الخلافات، أو على الأقل بقيت غير مُعلنة، ليشتعل فتيل الأزمة مجددًا في يوليو الماضي، على خلفية رفض أثينا تسليم 8 عسكريين أتراك متهمين بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا منتصف يوليو الماضي، بعدما استطاعوا الهرب على متن مروحية في أعقاب فشل الانقلاب، وطلبوا منحهم حق اللجوء السياسي هناك، وطالبت أنقرة بتسليمهم، لكن المحكمة العليا اليونانية رفضت الطلب، على اعتبار أن المتهمين لن يحصلوا على محاكمة عادلة في تركيا، بل ستكون حياتهم هناك معرضة للخطر. الأمر الذي زاد الأزمة اشتعالًا هو هروب المزيد من العساكر المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس أردوغان، إلى أثينا منتصف فبراير الجاري، حيث هرب عسكريان تركيان تتهمهما أنقرة بالمشاركة في محاولة الاغتيال، وأفادت السلطات اليونانية حينها أن مواطنين تركيين تم توقيفهما في منطقة إيفروس، موجودان حاليًا في مكان آمن تحت حراسة الشرطة اليونانية، وذلك بعد أن وجها للسلطات اليونانية عبر محامي لهما، طلب لجوء سياسي في اليونان، بعدما تمكنا من الإفلات من حملة الاعتقالات التي شهدتها تركيا، وهو ما علق عليه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قائلًا: لا يمكننا أن نتعاطى بإيجابية مع بلد يحمي إرهابيين وخونة وانقلابيين، وإن على اليونان أن تكون مدركة لهذا الأمر. جزيرة قارداق في يناير الماضي، قالت السلطات التركية إن رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، قام بزيارة إلى جزيرة قارداق، لتفقد المنطقة المحيطة بالجزيرة، وهي منطقة صخرية متاخمة للجزر اليونانية ببحر "إيجه"، ويدعي كل طرف تبعيتها له، وحينها قال مراقبون إن الزيارة التركية إلى الجزر في هذا التوقيت تأتي لتشعل الغضب اليوناني على خلفية رفض تسليم العساكر الأتراك، وبالفعل خرج وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس، ليكذب هذه الزيارة ويقول: إن أكار ليس بمقدوره الذهاب إلى قارداق، حتى ولو أراد ذلك، ليشن أوغلو، حرب انتقادات لاذعة ضد المسؤول اليوناني ويصفه ب"الطفل الوقح". تهديدات متبادلة قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، أمس الأحد، إن تركيا لو أرادت احتلال جزر إيميا لفعلت ذلك، وأضاف أن تركيا لا تدخل في سباقات مع بعض العقليات في اليونان ولا تستعرض قوتها، مشددًا على أن تلك العقليات تعلم ما قد يفعله الجنود الأتراك عندما يقتضي الأمر، واستطرد قائلًا: حكومتهم هي أكثر من يعلم ذلك، وعليها شرح هذا الأمر جيدًا لذلك الطفل الوقح، فليتجنبوا اختبار صبرنا، وأردف: شعبنا يسافر إلى اليونان وجزرها، وكذلك الشعب اليوناني يزور تركيا، وهناك أوجه شبه عديدة بين البلدين، لكن على أثينا ألا تسمح لطفل وقح أن يُفسد كل هذه الأمور، وأشار إلى أن بلاده كدولة واثقة من نفسها، تواجه تصريحات ذلك المسؤول اليوناني أحيانًا بصبر، فيما تظهر أحيانًا أخرى النضج، ولا تأخذ بجدية دائمًا تصريحات شخص يعيش في عُقَد. جاء الرد اليوناني سريعًا على التصريحات التركية، حيث أعلن وزير الدفاع اليوناني، بانوس كامينوس، اليوم الاثنين، أن أثينا لن تتراجع عن وحدة أراضيها، وسترد على أي استفزاز تركي، وقال كامينوس: لن يحدث أبدًا أن تطأ قدم تركيا الجزر اليونانية، وإذا وطأت، فسنرى كيف يفرون من هناك، مضيفًا أن تصريحات أنقرة مخصصة ل"الاستهلاك الداخلي"، وأنها تضع تركيا في وضع خطير جدًا. في ذات الإطار، دخل وزير الخارجية اليوناني، نيكوس كوتزياس، على خط التوتر الجديد المشتعل بين بلاده وأنقرة، حيث أشار إلى أن أثينا تعتبر القانون الدولي سلاحًا أساسيًا لحل الخلافات، لكنه شدد، مع ذلك، على أن بلاده تتوفر لديها آليات أخرى فضلًا عن الدبلوماسية، وأوضح وزير الخارجية اليوناني: لسنا سوريا التي تم تدميرها، ولسنا العراق الغارق في الفوضى، إن تركيا تخطئ عندما تعتبر أن القدرات الدفاعية لليونان ضعيفة بسبب الأزمة الاقتصادية، وأضاف: إن المشاكل في اقتصادنا زادت من اهتمامنا بأمن وسيادة بلادنا مقارنة بما كان سابقًا. خلافات تاريخية الخلافات بين أثيناوأنقرة ليست وليدة الأيام الأخيرة الماضية، ولا التصريحات الأخيرة التي أشعلها مسؤولو الطرفين، بل هي خلافات تاريخية ترجع إلى عام 1995، حيث تتنازع أثيناوأنقرة على سيادة بحر إيجه، والجزر الواقعة فيه خاصة جزيرتي إيميا الصغيرتين، وجزيرة "قارداق" التي تقع على بعد 3.8 أميال بحرية من شواطئ مدينة "بودروم" التركية، حيث انضم هذا البحر كليًا إلى سيادة الدولة العثمانية في 21 يوليو عام 1718، بموجب معاهدة باساروفجا، لكن بعد انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى أصبحت غالبية الجزر تعود إلى اليونان بموجب معاهدات دولية. الجدل بين الطرفين حول سيادة البحر والجزر كاد أن يتحول إلى نزاع مسلح عام 1996، لولا تدخل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وأمين عام حلف شمال الأطلسي السابق خافيير سولانا، وذلك بعد أن رست سفينة تركية تحمل اسم "فيغن أقات" على الجزيرة المتنازع عليها، لتغضب اليونان وتدعي أن السفينة رست في مياهها الإقليمية، وتقرر رفع علمها على الجزيرة، لترد تركيا بفعل مماثل لليونان في 30 يناير عام 1996.