جاء تعيين الجنرال اتش ار ماكماستر، مستشارا للأمن القومي، ليبشر بفترة عابرة من الاستقرار في مجلس الأمن القومي، فهو خيار مقنع. الجنرال ماكماستر، ضابط سلاح الفرسان، حاصل على دكتوراة في التاريخ، شارك في حرب العراق، بالإضافة إلى حرب الخليج في عام 1991، ويبدو أنه لن يدافع عن أي سياسة تخريبية بلا هدف، مثل العلاقات مع الصين وتمزيق الاتفاق النووي الإيراني أو منع المسلمين من دخول أمريكا. ولعل خير دليل على طريقة التفكير العامة للجنرال ماكماستر، مستشار الأمن القومي الجديد خلفا لمايكل فلين، الذي قدم استقالته في 13 فبراير الماضي، لاحتمالية صراعه مع ستيف بانون، مساعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير الاستراتيجيين، وغيرهم، قد ظهر بالفعل في كتابه "إهمال الواجب" الصادر في عام 1997، والذي يتناول الأيام الأولى من حرب فيتنام، وكيف أغرقت القيادات المدنية وهيئة الأركان البلاد في المستنقع. أطروحته المركزية هي أن هيئة الأركان المشتركة كانت مسيسة بشكل كبير، وراضخة لكبار المسؤولين المدنين في إدارة جونسون، وعلى سبيل المثال، ماك جورج بوندي، مستشار الأمن الوطني، الذي كان يعرف القليل عن فيتنام، وعن العقيدة العسكرية، إذ كان هؤلاء المسؤولون مهتمين أكثر بالظهور بشكل قوي. وقد كتب مقالا في صحيفة نيويورك تايمز، يوضح أن خسارة الحرب في فينام لم تكن على الأرض، ولكن خسارتها كانت في الاجندات الخاصة بالمسؤولين، فالحرب تمت خسارتها في واشنطن حتى قبل نشر الوحدات الأمريكية الأولى. بعد إدراج ترامب، بانون، في لجنة مديري مجلس الأمن في الشهر الماضي، وتهميشه هيئة الأركان المشتركة، أعطى ذلك صوتا كبيرا للإدارة للسيطرة على السياسة الداخلية ولعب دور محوري في عملية صنع القرار الخاص بالأمن القومي، وهو إنشاء لنفس السيناريو الكارثي الذي شرحه الجنرال ماكماستر في كتابه "إهمال الواجب". اختلال التوازن بين الاعتبارات السياسية والتنفيذية هو بالضبط ما شرحة ماكماستر عن العملية العسكرية في فيتنام، وقد أشار بسخرية إلى دور هيئة الأركان المشتركة في عصر فيتنام، ووصفها باسم "الرجال الخمسة الصامتون". رجال مثل بانون، بالطبع لن يكونوا صامين، وبدلا من ذلك، سيحاول أن يطوق نفسه بيروقراطيا، وأما من جانب الجنرال ماكماستر، قد اعترض بشدة على الرئيس جونسون ووزير الدفاع روبرت ماكنمارا، بسبب الالتفاف على العملية المشتركة بين الوكالات التابعة لمجلس الأمن في صياغة وتنفيذ سياسة فيتنام، وبالتالي لن ينتظر قيام بانون ودائرته بمثل هذه الخطوة، ومن المحتمل أن يضم الجنرال ووزير الدفاع ماتيس، بوصفه ثقلا مهما إلى مجلس بانون. انتقادات الجنرال ماكماستر لمسؤولي الأمن القومي تعكس قناعته بأنه يجب بذل كل الجهد؛ لتجنب الوقوع أو تكرار الأخطاء التاريخية، ولكن في نفس الوقت، الرئيس ترامب لا يأخذ الانتقادات على محمل الجد، ويفتقر إلى تقدير العملية والمداولات السياسية أو العلاقات المدنية العسكرية، كما أنه وبانون معاديان للتكنوقراط الذين قد تعيق صرامتهم ودقتهم الأجندة الأيدولوجية الخاصة بهما، كما أن لهجة ترامب تشير إلى أنه على استعداد لاستخدام القوة العسكرية مع وضع القليل من الاعتبار للعواقب الاستراتيجية. أسس الجنرال ماكماستر نفسه جيدا، ومع الجنرال ماتيس، يمكن أن يكونا قوة استقرار فعالة داخل الإدارة، وإذا وجد نفسه مهمشا، سيقول الكثير من الحقائق المزعجة وينقلها إلى طاولة المفاوضات، ما قد يحدث دراما مسلية على المسرح السياسي، إذا لم يحمل خطر حدوث كارثة استراتيجية. نيويورك تايمز