تحل علينا اليوم الذكرى 59 لتجربة الوحدة السورية المصرية، التي أشعلت في نفس الغرب مخاوف من امتدادها لتتضمن المنطقة العربية بأكملها، فتكون النتيجة ظهور قوة عالمية جديدة على الساحة تتصدى لهم وتعطل مصالحهم ومخططاتهم، فما كان منهم إلا أن بذلوا جهدا كبيرا حتى نجحوا في إنهائها عام 1961. حلم الوحدة كان حلم الترابط العربي يلاحق الزعيم الراحل منذ توليه رئاسة مصر عام 1954، وفي 22 فبراير 1958، تم توقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي، والمصري جمال عبد الناصر، وحينها اختير الزعيم رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وفي عام 1960، تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة، وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضًا. وانتهت الوحدة بعد ثلاثة أعوام فقط من تأسيسها بعد انقلاب عسكري في دمشق يوم 28 سبتمبر عام 1961، وأعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سميت باسمها الحالي جمهورية مصر العربية. دستور الوحدة أعلن الرئيس عبد الناصر في مارس 1954 الدستور التفضيلي المؤقت لدولة الوحدة، تكوّن من 73 مادة، نصت المادة الأولى على "الجمهورية العربية المتحدة، جمهورية مستقلة ذات سيادة وشعبها جزء من الأمة العربية"، ونصت المادة العاشرة على "الحريات العامة مكفولة في حدود القانون"، كما عرّف رئيس الجمهورية بأنه رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة وأن الوزراء مجرد منفذين للسياسة العامة، وأنه هو من يقوم بدعوة مجلس الأمة للانعقاد ويفضي دورته، فضلا عن حقه في حل المجلس وتشكيل مجلس جديد، والسماح له باقتراح القوانين والاعتراض عليها وإصدارها، كما أن مجلس الأمة لا يحق له إلغاء أي قرار أو قانون يصدره رئيس الدولة إلا بأغلبية الثلثين. أسباب الانفصال اجتمعت عدة أسباب أدت إلى انفصال سوريا عن مصر، كان على رأسها، تأميم جمال عبد الناصر للبنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى، إضافة إلى ادعاء المنفصلين بأن مصر بقيادة عبد الناصر سرحت أفضل الضباط السوريين من الجيش ليسيطروا بشكل كامل على البلاد وعلى المناصب السورية الرفيعة، بجانب هجرة المصريين إلى سوريا بشكل كبير، ما أدى إلى التأثير على المجتمع السوري. اللواء جمال حماد، أحد الضباط الأحرار، رصد عدة أسباب لانهيار الوحدة، كان على رأسها، وجود حكومة مركزية في القاهرة وعدم وجود حكومة تنفيذية مثلها في سوريا، إضافة إلى أن الحكومة المركزية في القاهرة لم تضم أسماء على دراية بالواقع السوري، مثل عبد الحميد السراج، رئيس المخابرات، بجانب أن تجربة التأميم التي طبقها عبد الناصر في مصر لم تنجح في سوريا لاختلاف واقع الشعبين. محاولة لإنقاذ الوحدة عندما وقع الانفصال، حاول الرئيس عبد الناصر إنقاذ الوضع، حيث وردت معلومات إلى القاهرة تفيد بأن حامية اللاذقية لم تنضم إلى الانفصاليين، ففكر عبد الناصر في إرسال قوة إليها عن طريق الجو تعيد الأمور إلى نصابها تلحق بها قوة بحرية، وبالفعل حدث، لكن في طريقها إلى سوريا، وصلت معلومات إلى مصر تفيد بانضمام هذه القوة إلى المنفصلين، فأمر الزعيم الراحل بعودتها إلى مصر مرة أخرى، ليسدل الستار على تجربة كانت نواة لوحدة عربية شاملة.