أجواء متوترة ومرتبكة تسود العلاقات الإيرانية التركية، ومن قبلها الروسية التركية، فيبدو أن أحلام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وسياسته التي تتسم بازدواجية المعايير ومحاولة اللعب على كافة الحبال، لن تجدي كثيرًا خلال الفترة الحالية، التي يبحث فيها كل طرف عن حلفائه الذين يستطيع أن يثق بهم دون الآخرين، حيث تتغير الخريطة السياسية العالمية سريعًا وفق المصالح والأهداف، فيكون على كل دولة أن تختار إلى أي معسكر تنضم. استدعت إيران، أمس الاثنين، السفير التركي في طهران، رضا هاكان تكين، وأبلغته اعتراضها الشديد إثر تهم وجهها الرئيس التركي، ووزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، لطهران بالسعي إلى تقسيم المنطقة على أساس طائفي وقومي، حيث قالت مصادر سياسية إن مساعد وزير الخارجية الإيراني، إبراهيم رحيم بور، استدعى سفير أنقرة في طهران، وأبلغه احتجاج إيران وإدانتها للتصريحات الأخيرة ل"أردوغان" التي قالها أثناء جولة قام بها إلى عدة دول في الخليج، ومثيلتها التي قالها وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد الأحد الماضي. يبدو أن صبر إيران بدأ ينفد من التحركات التركية غير المقبولة تجاه دول الخليج وأمريكا، وخطط أنقرة المثيرة للقلق تجاه سوريا، وما يلوح في الأفق من أزمة جديدة أيضًا بين تركياوروسيا على خلفية التصريحات والتحركات التركية الازدواجية، والتي تحمل الكثير من المعاني المُعادية لروسياوإيران، حيث جاءت هذه الخطوة التصعيدية المفاجئة التي اتخذتها إيران تجاه تركيا، بعد تصريحات أطلقها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر ميونخ للأمن الذي عُقد الأحد الماضي في ألمانيا، حيث حاول الوزير التركي أن يدق بتناغم على وتر انتقاد إيران ومعاداة سياساتها والتعظيم من خطرها على العالم، على غرار حلفائه في المؤتمر، سواء وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أو وزير الدفاع الصهيوني، أفيغدور ليبرمان، حيث احتلت إيران الجزء الأكبر من كلمة المسؤولين السعودي والصهيوني، وانصب اهتمامهما على تحذير العالم من خطرها، إضافة إلى تهديدها وحشد المزيد من الدول المعادية لسياساتها، ليسير المسؤول التركي على دربهما، ويوجه كلمة لاذعة لطهران. انتقد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ما أسماها سياسة إيرانية طائفية تهدف إلى تقويض البحرين والسعودية، وقال إن لإيران دورًا يزعزع الاستقرار، خاصة أن طهران تسعى لنشر التشيّع في سوريا والعراق، ودعا جاويش أوغلو طهران لإنهاء الممارسات التي من شأنها زعزعة استقرار وأمن المنطقة. هذه التصريحات رد عليها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، قائلًا إن تصريحات جاويش أوغلو في مؤتمر ميونيخ الأمني ليست بناءة، وأضاف أن الأوضاع غير المستقرة في تركيا تسببت في نشوء سلوك غير طبيعي لدى مسؤوليها، وأن هذا السلوك ناتج غالبًا عن الغضب من الوقوع في مأزق ما، بسبب المشاكل الداخلية والخارجية التي تعاني منها هذه الدولة، وأشار قاسمي إلى أن تركيا تعتبر واحدة من الدول المجاورة المهمة، وأن إيران قدمت الكثير من المساعدة لها بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في يوليو عام 2016، وأوضح قاسمي أن إيران لا ترغب في وجود تصريحات كهذه، وأنها ستواصل صبرها على مثل هذه المهاترات، إلا أن لصبر إيران حدودًا، معربًا عن أمله في أن "يتحلّى الأتراك بالمزيد من الذكاء في تصريحاتهم تجاه إيران؛ كي لا نضطر إلى الرد". تصريحات "أوغلو" لم تكن الأولى التي تشعل فتيل الأزمة بين إيرانوتركيا، بل سبقتها تصريحات مماثلة أطلقها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارته للبحرين الأسبوع الماضي، حيث قال حينها إن إيران تسعى وراء "التوسّع الفارسي" في سوريا والعراق، مشيرًا إلى رفضه لتوجهات البعض لتقسيم سوريا والعراق، وضرورة عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الظلم الحاصل هناك، وسبقت هذه التصريحات أيضًا نظيرتها التي انتقد فيها كلًّا من إيرانوروسيا في 12 يناير الماضي، خلال لقاء ضمّه مع السفراء الأتراك، حيث قال "أردوغان" حينها إن إيران وتّرت علاقتها مع السعودية ودول الخليج بشكل متعمد، من أجل توسيع رقعة الخلافات الطائفية، واتهم طهران باستغلال التطورات في دول مثل سوريا والعراق واليمن لتوسيع نطاق نفوذها، ومحاولة إشعال عملية خطيرة باتخاذها موقفًا يحوّل الخلافات الطائفية إلى صراع، كما هاجم "أردوغان" روسيا، قائلًا إنها تعد الساحة لخلق دويلة سورية حول محافظة اللاذقية، وإنها تنفذ هجمات تستهدف التركمان هناك. ورأى العديد من المراقبين أن أحلام الرئيس التركي الوردية فيما يخص سوريا وإقامة منطقة آمنة على الحدود التركية السورية، ودعم كل من أمريكا ودول الخليج لهذا المقترح التركي، ما جعله يندفع نحو التقارب مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ودول الخليج وعلى رأسها السعودية والبحرين وقطر، وهي الدول التي تتلاقى مع تركيا منذ بداية الأزمة السورية في دعم الجماعات المسلحة ماديًّا وعسكريًّا، ومحاولة إسقاط النظام السوري، لكن الرئيس التركي استطاع خلال الفترة الأخيرة التلون والتودد لروسيا؛ من أجل مصالحه أيضًا، التي تمثلت في توقيع اتفاقية "السيل التركي"، والتنسيق مع روسيا بشأن المعارك الميدانية في سوريا، ومحاولة التواجد في الساحة السياسية السورية وطاولة المحادثات بشكل قوي، لكن من المؤكد أن موسكووطهران لن تقبلا بأن تكونا دمى في أيدي النظام التركي، يتقارب معهما إذا استدعت المصالح، وينتقدهما إذا انتقلت مصالحه إلى الدول الخليجية. وعلى الرغم من أن نائب رئيس الوزراء التركي، والمتحدث باسم الحكومة، نعمان قورتولموش، حاول التهوين من شأن الأنباء التي تتحدث عن وجود توتر في العلاقات الإيرانية التركية، بقوله: "إيرانوتركيا بلدان صديقان، هناك اختلاف في وجهات النظر من حين لآخر، لكن لا يمكن أن تولد عداوة بسبب تصريحات"، إلا أن التصريحات والتحركات الروسية والإيرانية تشير إلى وجود خلافات عميقة، أو على الأقل تؤكد وجود عدم ثقة وقلق روسي إيراني حيال مخططات أنقرة، وهو ما ظهر منذ أسابيع في تصريحات مسئولين روس بأن هناك قلقًا روسيًّا من تحركات أنقرة تجاه السعودية وأمريكا، مؤكدين أن أنقرة تسعى لتحقيق أهداف خاصة بها، بالإضافة إلى محاربة داعش، الأمر سيؤثر بكل تأكيد على العلاقات بين الطرفين.