لسنوات عديدة حضرت الإمارات العربية المتحدة في منطقة شرق إفريقيا من خلال مرفأ "دوراله" البحري للحاويات الذي كانت تديره شركة "موانيء دبي العالمية" في جيبوتي والذي يعد أكبر ميناء حاويات في القارة، إلا انه في مايو 2015 انقطعت العلاقات الرسمية بين البلدين إثر سلسلة من الخلافات شملت نزاعا قضائيا حول عقد استئجار المرفأ وانتهت بمشادة حادة بين مسؤولي البلدين إثر هبوط طائرة إماراتية تشارك في العمليات العسكرية للتحالف الخليجي في اليمن في مطار أمبولي الدولي بدون إذن من السلطات هناك. وعقب ذلك، أخلت جيبوتي القوات الإماراتية والسعودية المتمركزة في منطقة "هاراموس" والتي تمثل بطبيعة الحال منطلقا قريبا لعمليات التحالف الخليجي في اليمن، ثم كانت المفاجأة حين وقّعت السعودية وممثلون عن مجلس التعاون الخليجي اتفاقية شراكة عسكرية وأمنية مع إريتريا في اليوم ذاته الذي أخلت فيه جيبوتي القوات الخليجية، وتضمنت تأجير الإمارات لميناء "عصب" الإريترير ذو العمق المائي الكبير والملحق به مطار يبلغ طول مهبطه 3500 مترا قابل لاستيعاب ناقلات عسكرية جوية ضخمة بعقد مدته ثلاثون عاما يضمن استخداما عسكريا كاملا للموقع، مقابل إعانات مالية قدمتها دول الخليج للحكومة الإريترية بالإضافة إلى تولي تلك الدول تطوير وتحديث مطار أسمرة الدولي، حيث تم تشكيل القاعدة الجوية في الموقع بنهاية يوليو 2015 والاستناد عليها فورا كمنطقة للدعم اللوجستي لصالح العمليات العسكرية الإماراتية في اليمن، ومع بداية سبتمبر 2015 شرعت الإمارات في إقامة الميناء والقاعدة العسكرية البحرية لاستخدامها كمنطلق لميدان العمليات في عدن. قاعدة "عصب" في إريتريا تقع القاعدة في شمال غربي مضيق باب المندب وتشكّل مع ميناء "المُخا" اليمني طرفيّ المدخل الجنوبي للبحر الأحمر أي بعد اجتياز المضيق نحو الشمال مباشرة لتشكيل الميناء، حيث تم حفر 60 ألف متر مربع من الساحل الإريتري وإقامة منطقة أمنية حول المطار والميناء وتطلب الأمر تعديل مسار الطريق السريع الساحلي بين مدينتي "عصب" و"مصوع"، واُقيمت منشآت على مساحة تمتد لنحو 10 كيلومتر نحو الجنوب لربط القاعدة الجوية بنظيرتها البحرية التي شهدت نشاطا مكثفا للسفن الإماراتية المشاركة في الحرب على اليمن، وتطوَر الامتداد البري للقاعدة ليتجاوز دورها الأول كنقطة دعم لوجيستي نحو دور استراتيجي أكبر في سياق الصراعات الإقليمية والنفوذ الإماراتي ومعه الخليجي في منطقة القرن الإفريقي المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث أن تلك المنطقة مفصلية وهامة في خريطة الاقتصاد والتجارة. انتهت أعمال الحفر الأساسية للميناء في نوفمبر 2016 ، وتضم القاعدة الجوية التي تم الانتهاء من بنائها وإعدادها في يوليو 2015 وتضم طائرات مقاتلة وأخرى للنقل ودبابات ومركبات ومروحيات هجومية وتشمل في بنيتها حظائر ضخمة ومساكن للأفراد، مما سمح للإمارات باستخدام القاعدة في حربها على اليمن كموقع انطلاق ومؤن ودعم لوجيستي قريب جدا من ميدان العمليات ولاسيما من عدن، المقر المُفتَرَض لحكومة عبد ربه هادي منصور، والتي استطاعت القوات الموالية له من الاستيلاء عليها بصعوبة في أغسطس 2015 بدعم إماراتي كامل مكثف ارتكز بشكل أساسي على قاعدة "عصب" في عملية اُطلق عليها "السهم الذهبي"، وتضمنت نقل مجموعة قتالية إماراتية كبيرة للهجوم على عدن مع تشكيلين من دبابات لوكلير فرنسية الصنع وكتيبة من مَركبات بي إم بي 3 القتالية بالإضافة إلى قوة قوامها 1500 فرد يمني تم تدريبهم إماراتيا في القاعدة، وكذلك شكّلت "عصب" ظهيرا جغرافيا رئيسيا لتشديد الحصار الاقتصادي على ميناء "الحُديْدة" اليمني والذي يُعَد المنفذ الوحيد الحالي تقريبا لما يزيد عن 16 مليون إنسان من أجل الحصول على مستلزمات الحياة. قاعدة "بِربرة" في أرض الصومال في مايو 2015 وقّعت شركة "موانيء دبي العالمية" العملاقة عقدا لإدارة وتطوير ميناء "بِربرة" في جمهورية "أرض الصومال" ذات الحكم الذاتي، في إطار صفقة ستكفل تحويل الميناء إلى منطقة شحن وتفريغ عملاقة مماثلة لميناء "دوراله" في جيبوتي في ظل حديث تردد وقتها كثيرا عن نيّة الإمارات في تقديم معونات مالية للجمهورية غير المعترف بها دوليا، فضلاً عن تمويل الإمارات وتدريبها لقوات شُرَطية بحرية تابعة لمنطقة أخرى ذات حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع هي "بونتلاند" شمال شرقي الصومال، كما موّلت الإمارات إنشائها عام 2010 لمكافحة القرصنة في المنطقة وتولّت تسليحها وتدريبها بمساعدة شركات خاصة للخدمات الأمنية، حيث تمثل "بِربرة" ومحيطها طرفا جنوبيا لخليج عدن ومن ثم منطلقا مثاليا نحو ميناء "عدن" الذي يقع على نفس خطها الطولي نحو الشمال، أي تطل على الطريق الطبيعي من الساحل العُماني والإماراتي إلى المدخل الجنوبي الأوسع للبحر الأحمر أي في المنطقة الفاصلة بينه من جهة وبين بحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى. وفي الثاني عشر من فبراير 2017 أقَرّ برلمان جمهورية "أرض الصومال" الاتفاقية الموقّعة مع الحكومة الإماراتية ومداها ثلاثون عاما لإنشاء قاعدتين بحرية وجوية في القسم الشمالي من منطقة وميناء "بِربرة"، في مقابل 442 مليون دولار تسددهم "موانيء دبي العالمية" المُشرِفة على الميناء طبقا للصفقة بالإضافة إلى اعتراف إماراتي رسمي بالجمهورية التي لم تنل اعترافا دوليا حتى الآن منذ إقامتها عام 1993، فضلا عن استثمارات إماراتية ضخمة تشمل إقامة شبكة طرق وطريق سريع سيتكلف أكثر من 200 مليون دولار حسب قول وزير الدولة للمعلومات والإرشاد. الاتفاقية ستضاعف حجم الميناء ليشكّل منطقة حرة كاملة تعوّض بها الإمارات ما فقدته في جيبوتي، وتعمل من خلالها بموازاة قاعدة "عصب" في الميدان اليمني كنقطة حضور أمني وعسكري ودعم لوجيستي فائقة القُرب، في ظل حضور إماراتي وسعودي في إثيوبيا وعموم منطقة القرن الإفريقي يسعى إلى تأمين المصالح الخليجية العليا في المجال الحيوي لممرات تجارة النفط، ويستطيع حتى الآن تنويع خياراته الاستراتيجية باستخدام ثرواته في المنطقة وإقامة مرتكزات تمكنه من الفوز في معركة اليمن التي شهدت حتى الآن تدمير سفن حربية سعودية وإماراتية عملاقة، مما يتناقض مع الجهود الخليجية المتزايدة مؤخرا للحضور في خليج عدن اليمني والسيطرة عليه عسكريا مع فشل العدوان على اليمن في تحقيق أهدافه.