رغم أنه لم يكمل سوى عدة أشهر في إسرائيل، وأن التعليمات كانت واضحة له بعدم إرسال أي معلومات في الفترة الأولى من وجوده بتل أبيب، فإن رفعت الجمال أصر على إرسال معلومات تؤكد نية إسرائيل وبريطانيا وفرنسا مهاجمة مصر في 29 أكتوبر 1956، لكن القيادة لم تهتم، حتى فوجئ المصريون ب"العدوان الثلاثي". تحل اليوم ذكرى رحيل رفعت علي سليمان الجمال، أشهر جاسوس مصري، الذي فاضت روحه في 30 يناير عام 1982، واسمه الحركي "رأفت الهجان"، ولد في 1 يوليو 1927، وكان والده تاجر فحم ووالدته ربة منزل من أسرة مرموقة ويجيد الإنجليزية والفرنسية، وشقيقاه هما لبيب ونزيهة، إضافة إلى أخ غير شقيق هو سامي، وفي 1936 انتقلت أسرته للقاهرة، وكان لا يهتم بدراسته وميال للهو والمسرح والسينما. تخرج الجمال في 1946، وتنقل بين وظائف مختلفة، وسافر لأكثر من دولة وفي أمريكا طاردته إدارة الهجرة فغادر لألمانيا، واتهم ببيع جواز سفره واعتقلته الشرطة ورُحّل لمصر، واستعان بمزوِّر لعمل جواز سفر باسم على مصطفى، ثم زور جواز سفر آخر باسم صحفى سويسرى يُدعى تشارلز دينون، واعتقل وتم التحقيق معه باعتباره ضابطًا يهوديًا اسمه ديفيد أرنسون، وتم التأكد من هويته وجندته المخابرات باسم جاك بيتون اليهودي، وسافر لإسرائيل بجواز سفر إسرائيلي في يونيو 1956، وأسس شركة سيتور للسياحة، فلما انتهت المهمة عاش في ألمانيا، ثم عمل في مجال التنقيب عن البترول في مصر إلى أن توفي في مثل هذا اليوم 30 يناير 1982 بعد معاناته بمرض سرطان الرئة في مدينة دارمشتات القريبة من فرانكفورت بألمانيا ودُفن فيها. وعمل "رأفت الهجان" مندوبًا في إسرائيل لصالح مصر لمدة 17 سنة، وتم إنجاز مسلسل عن حياته تأليف صالح مرسي وإخراج يحيى العلمي وبطولة محمود عبد العزيز، وكان قد شارك بالتمثيل في ثلاثة أفلام، منها "أحبك أنت" وفيلمين آخرين مع بشارة واكيم. وقرر أن يكتب مذكراته، وأودعها لدى محاميه، على أن يتم تسليمها لزوجته بعد وفاته بثلاث سنوات حتى تكون استعادت رباط جأشها ولديها القدرة على أن تتماسك وتتفهم حقيقة زوجها الذي عاش معها طوال هذه السنوات الطويلة، ويروي في مذكراته كيف حصل على امتياز التنقيب عن البترول المصري، في عام 1977، ليعود أخيرًا إلى مصر، وفي نهاية مذكراته، يتحدَّث عن إصابته بمرض خبيث، وتلقيه العلاج الكيمائي، في أكتوبر، وكتب وصية تفتح في حال وفاته. ولرفعت الجمال ابن واحد من زوجته الألمانية، إلا أنه لا يحمل الجنسية المصرية، حيث إن المخابرات المصرية، أزالت كل الأوراق التي تثبت وجود رفعت الجمال من كل الأجهزة الحكومية، بحيث صار رفعت الجمال رسميا لا وجود له، وبالتالي لا يستطيع ابنه الحصول على جواز السفر المصري، الأمر الذي أدى بزوجته وابنه أن يقدموا التماسا لرئيس الجمهورية السابق محمد حسني مبارك لاستغلال صلاحياته في إعطائه الجنسية، إلا أن طلبهما قوبل بالرفض لعدم وجود ما يثبت بنوته لرجل مصري.