من المفترض أن تنتهي اليوم الجولات التفاوضية لمؤتمر الآستانة، بحضور ممثلين عن الحكومة السورية بقيادة بشار الجعفري، وعن المعارضة السورية بقيادة محمد علوش، فالمؤتمر بدأ في 23 يناير، ويستمر ليومين، قد تكون قابلة للتمديد، وفقًا لتصريحات وفد المعارضة المشاركة. وتشهد العاصمة الكازاخستانية جلسة حاسمة، اليوم، بين وفدي المعارضة والحكومة السورية، حيث تناقش الجلسة الختامية من المحادثات ملف المعتقلين في سجون النظام، وفك الحصار عن مختلف المناطق السورية، وإدخال المساعدات إلى المحتاجين. وهي نقاط من المتوقع أن تغيّر من مسار المحادثات، وتبيّن مصيرها. معيار شكلي لكنه مهم لأول مرة يجتمع وفد من الحكومة السورية مع معارضين له في الآستانة بصورة مباشرة منذ بداية الأزمة السورية مارس 2011، وهنا يمثل المعيار الشكلي، من حيث انعقاد المؤتمر من حيث المبدأ، وجلوس الوفود السورية على اختلافها جنبًا إلى جنب على طاولة واحدة، خطوة مهمة في كسر الحاجز النفسي للأطراف السورية المتناحرة، لبناء اللبنة الأولى في جدار الثقة المستعصي بناؤه؛ بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية في هذا الملف الشائك. الخطوة الشكلية في اجتماع الوفدين الحكومي والمعارض السوريين لم تستكمل أبعادها، فأطراف من المعارضة قالت إنهم لم يعقدوا أي جلسة مباشرة مع وفد الحكومة السورية، واقتصر اللقاء الوحيد مع الوفد، الذي يترأسه مندوب سوريا الدائم لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري، على الجلسة الافتتاحية، التي حضرها وفود تركيا وإيران وروسيا، والدولة المستضيفة، الأمر الذي يشير إلى وجود عثرات كبيرة في طريق المفاوضات. فشكليًّا اليوم الأول لقي نجاحًا نسبيًّا، بالرغم من التراشق الكلامي بين الوفود السورية، حيث قال الدكتور بشار الجعفري، مندوب سوريا لدى الأممالمتحدة، أمس على هامش الآستانة "إن تركيا هي ضامن الجماعات الإرهابية المسلحة، حيث إنها أحد مشغليهم، فضلًا عن كون روسيا وإيران ضامنين آخرين لهذه الجماعات"، تصريحات الجعفري جاءت بصيغة "حادة". ومع ذلك مر اليوم الأول بسلام، حيث سادته أجواء مهتمة ومن كل الأطراف السورية المشاركة بتحقيق الهدف الأساسي له، وهو تثبيت وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وبعض الدبلوماسيين الروس وصفوا اليوم الأول بالناجح. طلبات الوفد الحكومي السوري حاول الوفد السوري ضبط إيقاع المؤتمر وفقًا لأجندة دمشق، مرتكزًا على ثبات جبهتها السياسية، والإنجازات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري مؤخرًا في حلب ومعارك نهر برد، وتتخلص مطالب الوفد الحكومي في أربعة محاور رئيسية للحل السياسي: أولها سنة كاملة على الأقل لتثبيت وقف الأعمال القتالية يختبر فيها صدق نوايا المعارضة المسلحة. ثانيها الفصل بين من هادن وجاء للآستانة ومن لم يهادن ويريد متابعة القتال في الميادين السورية، ثالثها تطوير الهدنة إلى مكافحة الإرهاب، وآخرها إغلاق تركيا لمعابر السلاح والمسلحين، ومن دون ذلك لا مسار سياسي ينطلق من الآستانة بحسب دمشق. طلبات وفد المعارضة السورية بالرغم من حضور بعض وفود من المعارضة السورية، إلا أن هذا الحضور والمتمثل بحضور جيش الإسلام وثلاثة عشر فصيلًا آخر، لا ينبغي أن يحجب حقيقة غياب عشرات من الفصائل السورية المسلحة الكبرى التي تملك قرارات سياسية وميدانية كأحرار الشام، التي لا تزال تتمسك بحماية جبهة النصرة ودورها في أي مفاوضات، إلا أن اللافت هذه المرة على صعيد المعارضة أن فصائلها تشكلت في البداية من خلال المجلس الوطني السوري (قطر)، ثم هيئة الائتلاف الوطني (تركيا)، وبعد ذلك الهيئة العليا للمفاوضات (السعودية)، والآن الفصائل المسلحة التي تتواجد على الأرض السورية هي من تمثل المعارضة وليست التي تعيش في المنافي الأوروبية، وهذا تطور على درجة كبيرة من الأهمية في معايير السياسة المتبعة، فشرعية المعارضة انتقلت من الخارج إلى الداخل السوري. الآستانة والاتفاق السري على الرغم من وجود توافقات شكلية في المظاهر العامة لمؤتمر الآستانة، إلا أن التعقيدات تكمن في التفاصيل، خاصة أن نظرة المعارضة السورية لإيران كضامن لهذا الاتفاق فيها الكثير من الاستعداء، وهي النظرة التي لا تختلف عن نظرة الوفد الحكومي السوري لتركيا، وبالتالي هناك خلاف جوهري على الأطراف الضامنة لهذه الحوارات، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا كانت تعتبر جيش الإسلام بقيادة علوش إرهابيًّا، إلا أنها أزالته من القائمة عقب رغبته في حضور الاجتماع، ومحمد علوش كانت له اتهامات سابقة موجهه للحكومة السورية والروسية باغتيال والده، وفي ظل الحديث عن وثيقة مشتركة قد تصدر غدًا مع نهاية المحادثات، تترد أنباء عن وجود اتفاق سري بين موسكو وأنقرة، يضمن بقاء الأسد، حيث صرّح عضو في وفد المعارضة السورية وممثل عن الجيش الحر، محمد الشامي، بأن هناك تسريبات تفيد بتوصل تركياوروسيا إلى اتفاق بتشكيل حكومة وطنية، دون المساس بشخص بشار الأسد وبقائه في السلطة، وهو الأمر الذي قد يرجع مفاوضات الآستانة إلى نقطة الصفر مع الأطراف السورية المعارضة، خاصة أن الآستانة من المفترض أن تكون خطوة ممهدة لمفاوضات جنيف المقررة فبراير المقبل.