\هل كان تخبطا وارتباكا، أديا إلى الفشل المريع الذي وسم، أداء المجلس العسكري، في إدارة المرحلة الانتقالية (يحلو لبعضهم وصفها ب”الانتقامية”.. نظرا لما شهده الثوار من روح تجاهر بإبداء العداء للثورة وكل ما ومن ينتسب إليها فكرا وسلوكا !).. أم كان تآمرا مستمرا منذ السادسة مساء 11 فبراير، حين خرج عمر سليمان بكامل تجهمه، معلنا “تخلي”( وليس تنحي )، حسني مبارك عن ” إدارة البلاد ” لا ” حُكم البلاد” ،لأن ” الإدارة ” تعني شيئا مختلفا بشكل كبير عن الحكم ( في الصيغة المتعارف عليها، مصريا، على الأقل). وتسليمها للمجلس العسكري، الذي لم يكن يعرف عنه أغلب المصريين شيئا، قبل أن يُصدر بيانه الأول، الذي أعلن فيه عن استمرار انعقاده لمتابعة الأحداث اللاهبة، عن كثب،. بعد ما يزيد على عشرة أيام كاملة من انفراط عقد النظام على نحو كبير غداة، انهيار جهازه الأمني القمعي، الذي طالما شكّل أداته الأساسية ،في حكم البلاد. مصر كلها على أبواب حريق كبير ،( على الرغم من الأزمة الطاحنة التي تم افتعالها في مشتقات البترول وعلى رأسها البنزين!) تلوح نذره السود، في الأفق المصري المعبأ بأنواع شتى من حطب الاحتقان، الذي لا يوفر القائمون على ” إدارة” البلاد فرصة لاضافة المزيد اليه ، من خلال ممارسات وتصريحات ، يومية تتنافس على اظهار عدائها الواضح للثورة فكرا وسلوكا. هل كانت المحاولات المستمرة بدأب لا يعرف الكلل، لاظهار الثوار بمظهر البلطجبة تارة ، والمأجورين الممولين من دول أجنبية ( لم يسمها المجلس مرة ، ولم يقم بأي فعل ازاءها ، على فرض صحة الاتهامات المرسلة التي يطقها عبر تصريحات أعضائه، والمحسوبين عليه، وعبر رسائله الفيسبوكية ، التي لا تخلو من طرافة مستقبحة، في سياق كالذي نتحدث فيه ). هل كانت تتم بمعزل عن وقائع أخرى، تشي في مجموعها بوجود خطة ممهنجة ، حيكت بعناية تآمرية ، لا تبارى ، لتصوير الثوار في أعين الشعب كعصابة مأجورة ، لم تثر طلبا لكرامتها الإنسانية المنتهكة، ولعدالة اجتماعية غائبة، ولحرية تم سجنها في معتقل الطوارئ لثلاثة عقود كاملة،بل استجابة لأمر عمليات أجنبي، يستهدف ” زعزعة استقرار البلد ” التي طالما بدت في أعين الجميع، وفي مقدمتهم أولئك الأجانب، علما على الركود الذي يقترب من موت اكينيكي، لا يرجي له قيامة! ان أقل ما يوصف به ما يفعله القائمون على الحكم ، منذ 9 مارس ، الذي شهد بدء حملة الانتهاكات الممنهجة، عبر اعتقال مدنيين وتقديمهم لمحاكمات عسكرية سريعة، وتعرض فتيات الثورة لانتهاك آدميتهن ، عبر فحوص عذرية ، لم نتصور يوما أن يتورط فيها جيش مصر الوطني ( ذو المزاج المحافظ !.).. أقل ما يوصف به أنه مؤامرة مكتملة الأركان، ربما شارك فيها البعض بحسن نية، حين لا يبدو حسن النية مختلفا عن سوء الطوية ، ما دامت نتيجتيهما ، واحدة! ).. حيث تم استهلاك الثوار في مواجهات دموية متتالية ، لم يخل منها شهر من الأشهر الاثنا عشر التي مضت على الثورة ... بالتوازي مع محاولات لا تفتر لشيطنتهم في أعين مواطنيهم ، عبر العزف مرارا وتكرارا على اللحن الذي يستعدي المصريين غير المسيسين ، على أي مصري مُسيّس : اتهامات مرسلة ب”العمالة لجهات أجنبية ، وتلقي أموال منها ، بهدف زعزعة أمن واستقرار مصر “... وكم بدا ساذجا ، أن يتصور هؤلاء أن تثمر اتهاماتهم المنقولة باعا بباع وذراعا بذراع من ” قاموس” أجهزة حسني مبارك الامنية ، اليت طالما عرفت براعتها التي لا تبارى ، في تلفيق وكيل التهم للأبرياء.التي علقّوها بأعناق الثوار ، بلا أدلة حقيقية غير ظنونهم ، السود. لدينا في الوقائع التي يحتفظ بها أرشيف وسائط الإعلام ، مما نقلته عن أعضاء في المجلس العسكري الحاكم، أو عن بعض المحسوبين عليه، من مستشاريه من العسكريين المتقاعدين ، ما يمكن أن يشكل جزءا لا يستهان به ، في مكتبة أشرطة ” المسرح الكوميدي” فيما بعد...وإلا فبما يمكننا أن نفسر لجيل قادم ، واقعة قيام مجلس الوزراء المصري بإعلان سحبه للسفير المصري من تل أبيب ، قبل أن يصدر بيانا تاليا ، يؤكد على أن البيان السابق بسحب السفير كان مجرد ” مسوّدة” جرى إرسالها للصحف على سبيل الخطأ !. إننا لو لم نتعامل مع هذه الواقعة المُغرقة في كوميديتها السوداء، على أنها احدى فقرات مسرح العبث، الذي يُخجل بوقائعه المتكررة، صمويل بيكيت نفسه، فلا مفر من ان نتفكه ونضمها الى أرشيف ” المسرح الكوميدي” ! لو لم يكن لحملة ” عسكر كاذبون” التي تجول في ميادين مصر منذ أيام ، من مزايا سوى تسليطها الضوء، بشكل موثّق على خطايا اقترفتها السلطة الحاكمة منذ 11 فبراير ، لكفتها ، سواء تم ذلك بوعي أو من دون وعي ( فلا فارق بين القتل العمد والقتل الخطأ ، سوى في العقوبة المترتبة على كليهما ، أما النتيجة نفسها فواحدة : ازهاق روح بغير حق)! ولعل النجاح الذي صادف تلك الجولات، هو عينه ما دفع فريقا من السلطة الحاكمة الى ارسال بعض ما في مخازنهم من ” بلطجية” لا يتورع العسكري عن وصفهم في رسائله ب” المواطنين الشرفاء”، ليعتدوا على النشطاء..بغرض إرهابهم ومنعهم من المضي قدما ، في طريق كشفهم لاخطاء وخطايا العسكري ، الذي لو نجمت عن سوء تقدير لكانت تلك مصيبة ، ولو كانت ناجمة عن نية مبيتة ، فالمصيبة أفدح من أن يتم التستر عليها . ... نحن هنا إزاء عالم كامل جرت صياغته بعناية من ركام أكاذيب وظنون سيئة ، لا تسندها غير اتهامات مرسلة وقراءة لا تفتقر الى سوء النية ،في وقائع محّرفة، مختلطة بمعلومات مغلوطة ، مبتسرة حينا ومأخوذة من سياقها أحيانا ... فلم يكن مستغربا ، والحال هذه، أن يخرج الينا، ونحن على أعتاب العيد الأول لثورة، هذا المسخ المشوه،على يد ” القابلة” التي زعم بعضهم ، (منذ تحقق الانتصار الجزئي للثورة ، بتنحية مبارك )، أنه من ” حماها” ... من دون أن يتقدم خطوة ، فيكشف للمندهشين من الجرأة على الحق، حماها ممن؟ وكيف؟ فقد بقي السؤالان المنطقيان ، يترددان على الألسنة من دون أن يقابلهما جواب شاف ، غير صمت غير رزين حتما. على العكس من ذلك الصمت غير الرزين ،كانت الجلّبة والصخب الممجوج الذي شاب آداء” مجلس الشعب” في أولى جلساته، أمس والذي تجّلى في اعلان ” المنصة” التزامها بلائحة المجلس الساقطة، لاعتمادها على دستور 71 الساقط هو الآخر... ما أضاف بعدا كوميديا / مأساويا على ” الفاصل” الذي أداه بعض النواب، الذي أعلن بعضهم قسمهم بالالتزام بالدستور الذي لم يكتب بعد، فيما زاد بعض آخر شرطا عجائبيا بألا يُخالف هذا الالتزام ما يفرضه ” شرع الله”!... مهما يكن من أمر ،فقد كانت الصورة الكاشفة التي تُلخص ” الملهاة / المأساة” في أولى جلسات ” مجلس الشعب” المنتخب، تلك التي ضمت عددا من ” نواب الشعب” أصحاب اللحى، وهم يغُطون في سبات يبدو عميقا ، تماما كما كان يفعل ” نوّام الشعب” المنتسبين للحزب الوطني المنحل!.. ما يعيد الاهتمام مجددا الى ” الميدان” باعتباره حامل لواء الروح الثورية الحقيقية ، وبانتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة ، التي تشي كل النُذُر ، بأننا على أعتاب حدث كبير ، لن يقل عما جرى في تلك الأيام من العام الفائت .، وانا لمنتظرون .