مخطئ من لام “الإخوان المسلمون”على الاحتفال في ميدان التحرير ، لأنه منذ البداية توهم أنهم لا يزالون في قلب الثورة وأن في صدارة أجندتهم استكمال أهدافها. الحقيقة التي لا جدال فيها ، ولو كره “الإخوان” ، أن الجماعة والمجلس العسكري غادرا الميدان مع مغادرة مبارك القصر الجمهوري. غادر مبارك متوهما أنه عائد وأنه لن يهون على رفاق السلاح، وغادر المجلس والجماعة للتفرغ لوضع سيناريو اقتسام الغنيمة . الثابت الآن أن مبارك لن يعود ، وإن لم يهن حتى الآن على رفاق السلاح، وأن الجماعة تقبض على ما تيسر من قطوف الثورة الدانية وكان المجلس يتصور أن ذلك يعبد له طريق الخروج الآمن فأسرف في التنكيل بالثورة وصناعها الحقيقيين حتى وجد نفسه عاريا من كل غطاء بعد أن باعه الجميع وفي مقدمتهم “الإخوان”. لم يجد المجلس العسكرى في مناسبة مرور عام على الثورة إلا حفلات غنائية على طريقة مبارك وبعض العروض الموسيقية وعشرات من “شرفائه” يقابل الواحد منهم، بمقاييس الرسم الثورية، ألفا ممن يهتفون بسقوط العسكر ويطاردونهم بعروض كذبهم أنى كانوا. في المقابل، كان لدى”الإخوان” ما يحتفلون به: دور للجماعة في كل المحافظات، وحزب موعود بقيادة مصر، وقيادات تجتمع حيثما شاءت من غير مضايقات أمنية وبعضها يصدم المشاعر بتصريحاته، خذ د. محمود غزلان نموذجا، ونصف مجلس الشعب إلا قليلا ، بل ورئاسة المجلس، ونسبة مماثلة متوقعة من مقاعد مجلس الشورى، والطموح لن يقف عند ذلك بالضرورة. أليس في ذلك كله مايستدعي الاحتفال؟ هل كان متوقعا من “الإخوان” التضحية بنشوة “التمكين” وعدم زرع “منصة النصر” فوق دماء سالت لترسم لهم خريطة الطريق؟. من توهم أن يفعلوا غير ذلك، فقد نسي أن وقود الثورة كان يشتعل في محرقتي محمد محمود ومجلس الوزراء وهم منشغلون بالانتخابات ويعتبرون مايجري أحداثا تعطل المسار الديمقراطي. والآن، لا يكتفي “الإخوان” بتكرار الترويج لذلك، وأن كل مظاهر الثورة حاليا إعادة إنتاج “أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء بنتائجها الكارثية”، بل يقولون، أو يهددون أو يحذرون، من أنه كان بإمكان شبابهم الرد على من رفضوا احتفالهم على جثث الشهداء” بنفس الطريقة أو أشد”. هو منطق الاستعلاء نفسه الذي سوغ لهم الإعلان أنهم سيحمون الميدان أثناء “الاحتفال”، ولا ضرر من اتهامهم بالوصاية، فضلا عن الاستعلاء. من جديد يبرز مفهوم الحماية المراوغ، فالمجلس العسكرى يقول إنه حمى الثورة، والجماعة تقول إنها تحمي الميدان. والصحيح أن كلا منهما حمى مصالحه، أو مشروعه، متوهما أنه ماض بغير مقاومة إلى مايريد . وفي سبيل ذلك بذل كل منهما جهدا في تشويه أبناء الثورة ورموزها، مرة بحجة أنهم يستهدفون الجيش، والمقصود المجلس العسكري، ومرة بأنهم يستهدفون الإسلام، والمعني هنا الجماعة، ولايريدون لشرع الله أن يسود. مايطمئن أن ذلك مضافا إليه كل الانتهاكات بحق الثورة وأبنائها، لم يطفيء جذوتها ، بل ربما كان جرس إنذار حتى لاتسرق فعلا. لذلك، كان طبيعيا أن تكون “منصة النصر”، أو الاحتفال، جسدا غريبا في الميدان فيلفظه ، وإن كان مرفوضا أن يترافق مع ذلك رفع أحذية أو اشتباك. وليس مقبولا أن تقول الجماعة الآن في بيانها المتعلق بماحدث في الميدان ” الإخوان هم الذين مهدوا للثورة، وأمدوها بالوقود من رجالهم على مدى عقود من الزمن، وبمظاهراتهم التي اندلعت ضد قوانين الطوارئ، والمحاكمات العسكرية، وتعديل الدستور، والتوريث والتمديد، ومن أجل استقلال القضاء، وقدموا آلافًا من شبابهم وشيوخهم إلى المعتقلات ثمنًا لهذه المظاهرات، وشاركوا في ثورة 25 يناير من أول يوم فيها، وحموها طيلة الثمانية عشر يومًا، لا سيما أثناء موقعة الجمل وما بعدها، وقدموا عشرات الشهداء ومئات الجرحى”. وهذا النوع من الاستئثار مردود عليه بالقول إن الجماعة لم تمهد للثورة وحدها، لكنها فازت بمغانمها وحدها حتى الآن، وإن مظاهراتها ضد قوانين الطوارئ، والمحاكمات العسكرية كانت قاصرة على ضحاياها من أعضائها. ليس في الذاكرة ما يثبت أن الجماعة هبت دفاعا عن أي تيار حوكم عسكريا، وإن ردت بأن أحدا غير أعضائها لم يقدم إلى محاكمات عسكرية، فهذا معناه أنها كانت تتظاهر لمصلحتها. ومن المغالطة قول البيان إن الجماعة تظاهرت، ككيان، ضد تعديل الدستور، والتوريث والتمديد، ومن أجل استقلال القضاء، إلا إذا كان أعضاء “كفاية” و” 6 أبريل” والمستشارون الذي أحيلوا للصلاحية وعمال مصر، خاصة في المحلة، من كوادر “الإخوان”. وإذا كان من الجحود نكران مشاركة الجماعة في الثورة ودور شبابها البطولي مع غيرهم في موقعة الجمل، فمن المغالطة أيضا، ولاداعي لاستخدام مفردة الكذب، قول البيان إن أعضاء الجماعة شاركوا في ثورة 25 يناير “من أول يوم فيها “، فهذا ادعاء لم يرد حتى على لسان حتى الإخوان أنفسهم قبل ذلك، والثابت ، بتصريحات عدد منهم، أن من تواجد في الأيام الأولى للثورة في الميدان شباب من الجماعة يمثلون أنفسهم ، وأن مشاركتها الرسمية ابتدأت في 27 أو 28 يناير. كان على الجماعة وهي ذاهبة هذه المرة إلى الميدان بحشود جمعت من المحافظات أن تدرك أن الثكالى من أمهات الشهداء والمفجوعات بإصابة أبنائهن لم تبرد نارهن التي تزيد بتشويه صورهم والمن عليهم بجنيهات. ولن تبرد هذه النار إلا بقصاص عادل يبدو عصيا مادامت ألاعيب المحامين ورحلات الهليكوبتر مستمرة. المستمر أيضا هو روح الثورة التي تصحح مع ذكراها الأولى أخطاءها وأولها الثقة المفرطة في المجلس العسكري ومن والاه. والأهم ألا تبقى الثورة فعلا نخبويا يرفع شعارات كبرى ولا يصل بها إلى شعب أعيته المعاناة ولم يصله حتى الآن شيء من ثمار هذه الثورة.