عانت القارة الإفريقية على مدى أكثر من ثلاثة قرون من الحروب والأزمات السياسية والإثنية والعرقية، وكان السبب الرئيسي في حدوثها، الدول الاستعمارية كبريطانيا وأمريكا وفرنسا التي عملت باستمرار على نشر ثقافة القمع وقتل الديمقراطية في المجتمعات الإفريقية. واليوم، نرى نوعا آخر من الاستغلال للبلدان الإفريقية؛ من خلال استغلال الدول الإفريقية وأراضيها في تجاربهم النووية أو استخدامها كقواعد عسكرية وهناك حرب أخرى لا تقل خطورة عما سبق وهي حرب تصدير الوقود الملوث لإفريقيا، التي آثارت جدلًا واسعًا في أغلب مناطق غرب القارة، بعدما أصدرت جماعة الضغط «بابليك آي» السويسرية تقريرها في الخامس عشر من سبتمبر 2016 تتهم فيه شركات النفط الأوروبية بتصدير وقود سام إلى الدول الإفريقية مستغلة الفقر المدقع بالقارة. تصدير الوقود السام لإفريقيا وكشف تقرير «بابليك آي» أن شركات نفط كبري في سويسرا تشتري النفط الخام من دول إفريقية، وتعمل على تكرير ديزل رخيص وقليل الجودة يحتوي على نسب عالية من المواد السامة (الكبريت)، المخالفة للمعايير الأوروبية والعالمية تصل في بعض الأحيان إلى 200%، وتعيد بيعه لذات الدول المصدرة، حيث تستغل شركات كبرى مثل فيتول، وترافيجورا، وأداكس أند أوريكس ضعف المعايير التنظيمية والقانونية لهذه البلدان، ما يعرض سكان المدن المحلية لكثرة الأمراض والوفاة. دول غرب إفريقيا تعلن الحرب على أوروبا وأوضح برنامج الأممالمتحدة للبيئة أن هناك خمس دول في غرب إفريقيا قررت وقف استيراد "الوقود القذر" أو بمعنى أصح الوقود الملوث للبيئة من أوروبا، وكشف مؤخرا تقرير صدر عن الشركات الأوروبية أن أوروبا تستغل القوانين الضعيفة في غرب إفريقيا لتصدير الوقود ذي المستويات العالية من الكبريت الملوث للبيئة. وقال موقع بي بي سي نيوز إن نيجيريا وبنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار، وافقوا على حظر استيراد الوقود من أوروبا، هذه الخطوة ستساعد أكثر من 250 مليون شخص في إفريقيا على تنفس الهواء بشكل أكثر أمانا ونظافة، حيث تعتبر جزيئات الكبريت المنبعثة من محركات الديزل أكبر مساهم رئيسي في تلوث الهواء بتصنيف منظمة الصحة العالمية باعتبارها واحدة من أكبر المخاطر الصحية العالمية ويرتبط ذلك بأمراض القلب وسرطان الرئة ومشاكل في الجهاز التنفسي. وأوضح صحيفة جارديان البريطانية أن دول غرب إفريقيا التي حظرت استيراد الوقود القذر، وافقت أيضا على رفع مستوى عمليات المصافي الوطنية العامة، وكذلك المملوكة للقطاع الخاص، التي تهدف إلى تعزيز المعايير في مجال النفط في الدول الخمس المنتجة له. وأضاف الموقع أن دول أوروبا خاصة سويسرا التي تتمتع بصلات تجارية قوية مع إفريقيا انتقدت قرار عدم استيراد النفط، وجاء رد الدول الإفريقية أن الديزل الذي يتم تصديره للقارة خاصة من سويسرا، يحتوي على مواد سامة غير مشروعة في أوروبا، فلماذا يتم تصديرها للقارة الإفريقية إذن؟! وتابعت «جارديان» أن هذا القرار يعتبر رسالة قوية من دول غرب إفريقيا لأوروبا بأنها لم تعد تقبل الوقود الملوث للبيئة من أوروبا، ولن تقبل أن تعامل القارة السمراء معاملة الحيوانات الضالة. وقررت الدول الخمس وضع معايير صارمة جديدة لاستيراد الوقود ومدى نظافته وأمنه على البيئة والصحة طبقا للمعايير المتقدمة للانبعاثات المركبة للوقود، التي وضعها الغرب لحماية صحة شعوبهم. كما وضعت دول غرب إفريقيا خريطة تبين الحدود القانونية لمستويات الكبريت في جميع أنحاء القارة السمراء، التي بالفعل تتعدى المستويات القانونية، حيث ظلت الدول الإفريقية لفترة طويلة تعتمد على معايير الحقبة الاستعمارية، التي لم يتم تنقيحها إلا في السنوات الأخيرة. والجدير بالذكر أن نيجيريا ظلت لمدة 20 عاما غير قادرة على معالجة أزمة تلوث البيئة بسبب الوقود المركب ذات المستويات العالية من التلوث الذي يتم استيراده من أوروبا، واليوم، تقفز نيجيريا قفزة هائلة إلى الأمام، للحد من الكبريت والوقود القذر الذي يملأ هواءها.