مع تزايد خسائر المجموعات المسلحة في سوريا، وهبوط معنويات مقاتليها هناك، وظهور العديد من الانشقاقات في صفوفها، وخروج قيادييها لطلب الإغاثة والمساعدة العاجلة، خاصة بعد الهزيمة الثقيلة التي منيت بها قبل أيام في القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية في مدينة حلب، ومع الحديث عن التقارب الأمريكي الروسي الإيراني في الملف السوري بعد انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، تحاول الدول التي دأبت على دعم التنظيمات والجماعات الإرهابية هناك، إعطاءها جرعة من الأمل المفقود منذ فترة طويلة، وعلى رأسها قطر. أقر وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن بلاده ستواصل تسليح المعارضة السورية حتى في حال أوقف الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الدعم الأمريكي لها، قائلا: "الدعم سيستمر، ونحن لن نوقفه، وهذا لا يعني أنه إذا ما سقطت حلب فإننا سنتخلى عن مطالب الشعب السوري". وأضاف الوزير أن الولاياتالمتحدة كانت الحليف التاريخي لبلاده، وأنه يريد أن تبقى واشنطن إلى جانبهم، لكن إذا كانوا يريدون تغيير آرائهم، فهم لن يغيروا مواقفهم، ونوه بأن قطر وغيرها من دول الخليج تعتقد أن هناك حاجة لمقاتلي المعارضة المحليين من أجل بناء سوريا مستقرة، لكن خططهم تعرضت للعقبات بسبب الانقسامات في صفوف المعارضة، كما أن الجهاديين كان لهم دور في ذلك، كما عبر الوزير القطري عن استيائه من الجانب المصري، الحليف الوثيق لدول الخليج، لوقوفه إلى جانب الحكومة السورية مؤخرًا. تصريحات وزير الخارجية القطري لم تكن مفاجئة من جهة دعم قطر للجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في سوريا، فدأبت العديد من الدول العربية والغربية وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا وأمريكا، على دعم الجماعات والتنظيمات هناك بهدف إسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، وإضعاف وإنهاك الجيش السوري تنفيذًا للمخطط الصهيوأمريكي الهادف إلى القضاء على الجيوش العربية واحدًا تلو الآخر، لكن صيغة إعلان وزير الخارجية القطري بهذه الصراحة المطلقة دعم الجماعات المسلحة في سوريا حتى وإن تغيرت السياسة الأمريكية الداعمة لهم، رأى فيها مراقبون أنها تحمل تحديا للقيادة الأمريكية الجديدة، ولروسيا وإيران، اللذان يدعمان بشكل أساسي وثابت الجيش السوري وحكومة بشار الأسد. قطر طالما كانت الداعم الرئيسي لمقاتلي الجماعات والتنظيمات الإرهابية في سوريا التي تقاتل قوات الجيش السوري، فهي أول دولة نشرت السلاح في سوريا لتكوين كيانات مسلحة تواجه الجيش السوري، لكنها لم تكن تلعب بمفردها على الساحة السورية، بل كانت تعاونها أمريكا والسعودية وتركيا ودول غربية أخرى، كانت على رأس برنامج المساعدات العسكرية الذي تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي توفر لجماعات ما تسميها هذه الدول "المعارضة المعتدلة" الأسلحة والتدريب، وهو البرنامج الذي أثبت فشله مؤخرًا. في أغسطس عام 2015، اعترف المتحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن برنامج وزارة الدفاع "البنتاجون" لتدريب مقاتلي ما تصفها واشنطن ب"المعارضة المعتدلة" في سوريا فشل فشلًا ذريعًا، وأضاف المسؤول أنه تم القضاء واعتقال واختفاء نصف فرقة المقاتلين حتى قبل أن يحتكوا بتنظيم داعش، منوها إلى أن الخسائر لحقت بهم نتيجة المعارك مع متطرفي جبهة النصرة، وكان البنتاغون أنفق على تدريب نحو 60 مقاتلا من "المعارضة المعتدلة" خلال شهرين 42 مليون دولار. من جانبها، ردت الخارجية السورية على وزير الخارجية القطري، بأن دولة قطر أحد خزانات التطرف في المنطقة، حيث قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية: "دويلة قطر بإعلانها دعمها المتواصل للتنظيمات الإرهابية يجعل منها أحد خزانات التطرف والإرهاب والفكر التكفيري"، وأضاف: "استمرار دويلة قطر في تزويد الإرهابيين في سوريا بالأسلحة، ليس سوى جرعة لرفع معنويات المجموعات الإرهابية أمام الهزائم والانهيارات المتلاحقة، التي تمنى بها يوميًا على يد بواسل الجيش السوري.. على المجتمع الدولي مسؤولية تأديب الدول الراعية للإرهاب، والذي يشكل خطرًا على الأمن والسلم الدوليين، وسيدفع رعاة الإرهاب ثمن سياساتهم التخريبية عاجلًا وليس آجلًا، لأنه لابد وأن يرتد عليهم". تأتي الانتفاضة الجديدة لقطر ومسانديها وتصريحها بتجديد الدعم للجماعات المسلحة في سوريا، في الوقت الذي خسرت فيه الفصائل المسلحة أحد أكبر وأهم المعارك في سوريا، بعد سيطرة الجيش السوري على كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية في مدينة حلب، حيث تشكل هذه الخسارة بالنسبة للجماعات المسلحة داعميها واحدة من أكبر الخسائر التي تمنى بها هذه الفصائل منذ بداية الأزمة، حيث إن استعادة مدينة حلب سيشكل نقطة تحول رئيسية في الصراع على الأرض، وستعزز سيطرة الحكومة السورية على المدن الخمس الكبرى، حلب ودمشق وحمص وحماة واللاذقية، فضلًا عن أنها ستمثل ضربة معنوية جديدة للجماعات والتنظيمات التي لم يبق أمامها سوى القتال حتى الموت أو الاستسلام.