يقول فضيلة الشيخ محمد العريان من علماء الأزهر الشريف وعضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالغربية مستدلا بماورد عَنْ ثَوْبان رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ، أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))، رواه البيهقي وابن ماجه. فإذا كان صاحبُ رسول الله صلي الله عليه وسلم ثوبان رضي الله عنه، يخاف أن يكون منهم، ويحذر أن يكون من جملتهم، فماذا سنقول نحن، والتقصير قد ملأ حياتنا، والشهوات قد أحاطت بنا من كل جانب؟.. فهذا الصحابي ثوبان رضي الله عنه يقول: "صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ"، فيجيب صلي الله عليه وسلم بما لم يكن في الحسبان، ويخبر أنهم من المسلمين، ولهم من الأعمال الجليلة ما لهم، لكنهم جعلوا الله عز وجل أهون الناظرين إليهم عندما راقبوا الناس، فعملوا في الظاهر ما يخالف الباطن، ووقعوا في محارم الله، ونسوا أو تناسوا أن الله بكل شيء عليم، وأنه يعلم السر وأخفي. ومحارم الله: هي كل ما حرَّمه الله تعالي من الصغائر والكبائر. فلماذا هؤلاء انتهكوا المحرمات؟ لأنه ليس في قلوبهم من التقوي ومراقبة الله عز وجل ما يكفي لحجزهم عن الحرام، فأكلت سيئاتهم حسناتهم، وأصبحت حسناتهم هباءً منثورًا، وتأملوا كيف أن الله تعالي أراهم حسناتهم كالجبال، ثم جعلها أمامهم هباءً منثورًا ليزيدهم حسرة. وماعلامة عصيانهم!! بعض الناس إذا اختلي بنفسه، لم يراقب الله تعالي، ولم يَسْتَحِ منه، فوقع في المحرَّمات، والاختلاء لا يشترط فيه الخلوة عن الناس، فقد تري شابًّا يجلس أمام والديه وإخوته، ولكنه ينظر في جواله يقلب صفحات الإنترنت علي مواقع إباحية أويخاطب الفتيات ويتمايل معهن معتقدا أن لأحد يراه وقد تري شابًّا يسافر إلي بعض الدول التي تعلن الفجور، فيفجر معهم، لأنه لا يري فيها أحدًا يعرفه، ناسيًا ربَّه المطَّلع عليه، ومن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة، وارتكاب المحرمات عبرشبكات التواصل الاجتماعي واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الفتيات، وقد تجد لهؤلاء نصيبًا من الصلاة والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّرًا لهم أن يجعل حسناتهم هباءً منثورًا يوم القيامة، إن لم يبادروا بالتوبة. إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل خَلَوتُ وَلكن قُل عَليَّ رَقيب وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُل ساعةً وَلا أنَّ مَا يَخْفي عَلَيْه يَغيب وما الواجب علي كل مسلم يخاف الله!! الواجب علي المسلم أن يحذر من ذنوب الخلوات المحرمة سواء في المجالس اوعبر شبكات التواصل الاجتماعي فالله تعالي قد ذمَّ مَنْ يستخفي بذنبه من الناس، ولا يستخفي من الله، قال تعالي: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَي مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]. وماحكم ذنوب الخلوات!! ولنعلم بأن ذنوب الخلوات مدعاة لسوء الخاتمة، قال ابن القيم رحمه الله تعالي: "أجمع العارفون أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن طاعة السر هي أصل الثبات". ولنعلم أن الله تعالي قد يبتلي عبده فيُهيِّئ له معصية، ليري هل يخافه بالغيب؟ أم أنه لا يخشاه إلا بحضور الناس فقط؟ قال تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 94]، وكيف ينتبه المقبل علي تلك المعصية!! انتبه يا عبد الله من المعصية حين تكون وحدك، ولذلك كان أجر من دعته امرأة ذات منصب وجمال بعد أن اختلت به، الاستظلال تحت العرش يوم القيامة، لأنه قال لها: ((إني أخاف الله))، فلنخْشَ الله تعالي في السر والعلن، ولا نجعل الله تعالي أهون الناظرين إلينا، ولنكثر من الطاعات والعبادات في السر والخفاء، قال تعالي: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]. وماخلاصة القول في ذلك الأمر!! الخلاصة التي ينبغي أن نخرج بها: أن نحفظ حديث ثوبان رضي الله عنه حفظًا جيدًا، ونجعله نصب أعيننا، فهو حديث مهم، قال فيه صلي الله عليه وسلم: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)). فاللهَ اللهَ في السرائر، فيجب علي كل مسلم أن يصلح سريرته، وليكن حرصه علي باطنه وسريرته أعْظَمَ من حرصه علي ظاهره ﴿ يَوْمَ تُبْلَي السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ [الطارق: 9، 10]، فلا يكفي أن تجمع الحسنات، وإنما المهم أن تحافظ علي هذه الحسنات حتي لا تذهب هباءً منثورًا. وإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إلَي العصيان فَاسْتَحي مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ، وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي