أوصي الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- الناس جميعًا بالوالدين، وخاصة الأم لكونها أشد تعبًا من الأب في مرحلة التربية، لذا كان لها النصيب الأكبر من وصية النبي صلي الله عليه وآله وسلم ببر الوالدين لما تلاقيه من تعب ومشقة في الاهتمام بهم، فعن أبي هريرة عنه قال: "جاء رجلٌ إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك". جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج "نظرة" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض علي فضائية صدي البلد، اليوم الجمعة، حيث نبه إلي أننا لا نمنُّ علي المرأة عندما ندعو للاحتفاء بها أو تكريمها فهو حقها الأصيل الذي سلبته العادات والتقاليد الموروثة الخاطئة فضلًا عن دعاوي المغررين. وعن علاقة فضيلته بوالدته قال إن الحديث عن الأم هو حديث عن الذات، حديث نابع من القلب. واستعرض مفتي الجمهورية ذكرياته عن العطاء والحنان والتعهد من والديه في الصغر مؤكدًا علي أن فضل الأم والأب علي أبنائهما عظيم، فهما سبب لوجودنا في الحياة. ووجه فضيلة المفتي نصيحة إلي الشباب قال فيها: "أقول لأبنائنا بأن الأب والأم في مرحلة السن المتأخرة يحتاجان إلي أبنائهما، فكونوا عونًا لآبائكم في هذه المرحلة، ولا يجوز إيذاؤهم بما يخدش المشاعر ولو كانت كلمة أف، لأن أذي مشاعر الوالدين محرم". وأكد مفتي الجمهورية علي أن الفقهاء اتفقوا علي أن بر الوالدين كليهما فرض عين، وذهب الجمهور منهم إلي أن للأم ثلاثة أضعاف ما للأب من البر، وذلك لما تنفرد به عن الأب: من مشقة الحمل، وصعوبة الوضع، والرضاع، والتربية، فبرُّ الوالدين فرضُ عينٍ، فهو عبادةٌ لا تقبل النيابة، وقد نهي الله تعالي عن عقوق الوالدين، وجعل عواقبه شديدةً ووخيمةً، ففيه عقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة، وقد بيَّن العلماء أن العقوق هو كلُّ ما يؤذي الوالدين أو أحدهما غير معصية الله تعالي، والأمر بالبر في آيات القرآن الكريم لا يحصر برهما في حال دون حال، ولا في زمان دون آخر، فيجب علي الولد أن يبر والديه حال حياتهما، وإن فاته ذلك في حياتهما فلا أقل من أن يبرهما بعد وفاتهما. وعن الاحتفال بعيد الأم قال مفتي الجمهورية إن الاحتفال بعيد الأم أمرٌ جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه، ولا يوجد نص شريف يمنع ذلك، ومن يستشهد علي عدم جواز ذلك بترك النبي صلي الله عليه وسلم لهذا الأمر فهذا ليس دليلًا علي المنع، لأنه لم يرد نص ينهي عن ذلك، بل الترك هنا فيه دليل علي الإباحة. وشدد مفتي الجمهورية علي أنه ليس كلُّ أمر مُحدَث في العبادات أو المعاملات منهيًّا عنه، بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، فما كان في حيز ونطاق خلاف ما أمر الله به ورسولُه صلي الله عليه وآله وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه اللَّه أو رسوله فهو في حيز المدح لأَن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد جعل له في ذلك ثوابًا، فقال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا». وقال في ضدِّه: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»، وذلك إِذا كان في خلاف ما أَمر الله به ورسوله. وأردف أن ترْك النبي صلي الله عليه وسلم لبعض الأمور لا يدل علي الحظر أو المنع ما دام لا يوجد دليل وارد في الأمر يمنع منه. وأكد فضيلته علي أن المتطرفين القائلين بحرمة الاحتفال بعيد الأم يضيِّقون واسعًا بهذا الفهم الخاطئ للترْك، وعليه يحرِّمون كثيرًا من الأمور بحجة أن النبي عليه السلام لم يفعلها، مستغلين دغدغة مشاعر الناس بالتخويف من مخالفة الشرع الشريف، وبحجة أن النبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة ثم السلف الصالح لم يفعلوه. وأضاف مفتي الجمهورية أن بعض المتطرفين أخذونا إلي مكان بعيد عن الشريعة بسبب ذلك، وبدعوي بدعة الضلالة وهي ميزان يستخدمونه في كل مناسبة ليضيِّقوا علي الناس ويشددوا عليهم. ولفت فضيلته النظر إلي أن علماء أصول الفقه المعتبرين انتبهوا إلي هذه الدعوي المتشددة والمتعلقة بحكم ترْك النبي صلي الله عليه وسلم وانتهوا إلي أن الترك لا يدل علي الحظر والمنع، بل غاية ما يدل عليه عدم منع الأمر المتروك ما لم يصدر دليل علي المنع مع الترك. وأشار فضيلة المفتي إلي أن المسلمين قد فعلوا كثيرًا من الأمور التي لم يفعلها سيدنا رسول الله، وكان ذلك منهم بعد وفاته صلي الله عليه وسلم، وهي تدل علي الجواز لأن لها أصلًا في الدين. واختتم فضيلته حواره قائلًا إن رضا الله تعالي في رضا الوالدين، لذا يجب الحرص كل الحرص علي طاعة الوالدين طاعة لله حال حياتهما، ويكون بر الإنسان بأبيه وأمه بعد موتهما بالدعاء لهما والتصدق عنهما وقراءة القرآن عنهما، وزيارتهما في قبرهما وصلة أصدقائهما وصلة رحمهما.