ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم /الاثنين/، أنه في الوقت الذي تناقش فيه الدول الغنية كيفية "تجاوز" التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" بأمان، تجري الدول الناشئة محادثات مختلفة، تتعلق بمدي صعوبة دفع عمليات الإصلاح، ولكن من المرجح لهم أن يخرجوا بشكل أفضل من الأزمة الراهنة. وقالت الصحيفة، في مقال رأي كتبه روتشير شارما، وهو مفكر استراتيجي في شركة مورجان ستانلي انفستمنت مانجمنت للاستشارات الاستثمارية ونشرته الصحيفة علي موقعها الإلكتروني، إن البلدان الناشئة ربما لن يكون لديها الموارد المالية لتضاهي الإنفاق التحفيزي للدول الأكثر ثراءً، لكن خلال الأزمة المالية لعام 2008، عرضت الدول الناشئة حوافز تكاد تكون سخية مثل البلدان الأكثر ثراءً، وكان بإمكانهم تحمل ذلك، لأنه بعد سنوات من النمو الهائل، كان لديهم المال الكافي لدفع عجلة اقتصادهم. وأضافت" انه عندما ضرب الوباء جميع دول العالم في العام الماضي، كانت العديد من الدول الناشئة لا تزال تكافح لنمو اقتصادها، والآن وبسبب افتقارهم إلي الأموال اللازمة لإنعاش اقتصاداتهم من خلال حزم التحفيز الهائلة، لن يكون أمامهم خيار سوي دفع جهود الإصلاح المعززة للإنتاجية". وأوضحت الصحيفة أن الدولة الناشئة النموذجية قد زادت من التحفيز الإجمالي- بما في ذلك تفعيل الحوافز المالية والنقدية وكذلك ضمانات الائتمان- من ستة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008 إلي تسعة في المائة في عام 2020، ولكن هذا كان تغييرًا احتياطيًا مقارنة بالدول المتقدمة، التي ضاعفت إنفاقها أكثر من ثلاثة أضعاف الانفاق من 10 في المائة إلي 33 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة، وفي الواقع أنفقت الدول المتقدمة ما يقرب من أربعة أضعاف علي التحفيز في عام 2020 مقارنة بالدول الناشئة. وذكرت الصحيفة" أنه بدلاً من مناقشة حزم التحفيز الأكبر، قدمت الدول الناشئة مجموعة من الإصلاحات لزيادة الإنتاجية وتعزيز النمو، وتصدرت الهند عناوين الأخبار في ذلك، فيما خفضت إندونيسيا العام الماضي الضرائب واللوائح وخففت قواعد العمل، وأصبح قطاعها المالي يتحرك الآن نحو إعادة الفتح والنهوض مرة أخري، كما خفضت الفلبين للتو ضرائبها المرتفعة نسبيًا علي الشركات إلي مستويات أكثر تنافسية". كما أشادت الصحيفة بجهود مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الأخيرة في فرض قيود جديدة علي الإنفاق الحكومي، وقالت إن الدولتين الأخيرتين سمحتا للأجانب لأول مرة بشراء أعمال تجارية ومنازل محلية، كما تتحرك البرازيل ذات الإنفاق الضخم لاستعادة السيطرة علي ميزانيتها عن طريق تقليص حجم المعاشات التقاعدية، وتسهيل سبل الاستغناء عن العاملين في القطاع العام وخفض استحقاقاتهم، من بين أمور أخري. وأبرزت أيضا الصحيفة البريطانية في مقالها أن التحول الأكبر وقع في الصين، فعلي الرغم من الإشادة بإنفاقها التحفيزي لعام 2008 علي نطاق واسع "لإنقاذ" الاقتصاد العالمي، إلا أن الديون المتراكمة تسببت في تباطؤ حاد في النمو، إلا أن بكين تستجيب الآن بشكل مختلف جدا ففي حين أن جميع البلدان المتقدمة الرئيسية أطلقت حوافز أكثر بكثير في عام 2020 مقارنة بعام 2008، فإن الصين التزمت بالأقل وكان حوالي تسعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما مثل انخفاضًا من 13.5 في المائة في عام 2008. وبدلاً من التعهد بسن حزم لا نهاية لها من الأموال السهلة، بدأ البنك المركزي الصيني في تقليص الحوافز النقدية، مشيرًا إلي مخاطر الديون المتزايدة والأزمات المالية، وفي الوقت نفسه اقترحت بكين إصلاحات اقتصادية جديدة طموحة، بما في ذلك فتح أسواقها المالية أمام العالم الخارجي. وأخيرا، رأت الصحيفة في ختام المقال:" أنه عندما ينتهي الوباء، وتتلاشي حزم التحفيز المالي، لن يكون التأثير محسوسًا بشكل متساوٍ، فمن المرجح أن تري الدول الناشئة آفاق نموها في التحسن، فيما تستعد الدول المتقدمة من خلال الإنفاق الهائل وتأجيل الإصلاح، لنمو أبطأ تثقله الديون، كما أنها من المحتمل أن تواجه نفس الدرس القاسي الذي واجهته الدول الناشئة بعد أزمة عام 2008، مما قد يجعلها تلجئ إلي التقشف المالي مرة أخري.