تمكن عالم المصريات الدكتور زاهي حواس والدكتورة سحر سليم استاذ الأشعة بجامعة القاهرة من حل لغز "مومياء المرأة الصارخة" من الخبيئة الملكية في الدير البحري. وكشفت نتائج الدراسة، التي نشرت في احدى المجلات العلمية الدولية، وتمت باستخدام جهاز الأشعة المقطعية "سيمنز" الموجود في المتحف المصري بالتحرير، عن تصلب شديد في شرايين القلب التاجية أدى الى موت الأميرة المصرية فجأة بنوبة قلبية و لقد حفظ التحنيط المصري القديم وضعية الجسد لحظة الوفاة لقرابة ثلاثة الاف عام. وعن قصة مومياء المرأة الصارخة، قال الدكتور زاهي حواس إنه في عام 1881 تم اكتشاف خبيئة الدير البحري الملكية في الأقصر حيث قام كهنة الأسرتين ال 21 و 22 بإخفاء أعضاء ملكيين من أسر سابقة لحمايتهم من لصوص القبور، واحتوت خبيئة الدير البحري الملكية على "مومياء الرجل الصارخ" والتي أثبتت الدراسات الحديثة بالأشعة المقطعية و الDNA التى قام بإجرائها مع الفريق العلمي للمشروع المصري للمومياوات أن "مومياء الرجل الصارخ" هو الأمير بنتاؤر ابن الملك رمسيس الثالث و الذى أُجبر على الانتحار شنقا عقابا له على تورطه في قتل ابيه الملك رمسيس الثالث في ما يعرف بمؤامرة الحريم . وأشار الى أن نفس الخبيئة الملكية في الدير البحري احتوت على مومياء لامرأة تظهر على وجهها علامات الرعب والألم والصراخ و عرفت ب "مومياء المرأة الصارخة" فرأسها مائل إلى الجانب الأيمن و ساقاها مثنية و ملتفة عند الكاحل في الوقت الذي كانت فيه المومياوات الأخريات مغلقة الفم و مستلقية مستقيمة الجسد. وأوضح حواس أن الكتابات باللغة الهيراطيقية على لفائف الكتان حول مومياء المرأة الصارخة تشير الى انها "الابنة الملكية ، الأخت الملكية ميريت امون" ومع ذلك ، اعتبرت المومياء غير معروفة فسميت ب "مومياء المرأة غير المعروفه " حيث كان هناك العديد من الأميرات بنفس الاسم ، على سبيل المثال ميريت امون ابنة الملك سقنن رع من نهاية الأسرة السابعة عشر 1558- 1553 قبل الميلاد) ، وكذلك ميريت امون ابنة الملك رمسيس الثاني (1279-1213 قبل الميلاد) من الأسرة التاسعة عشر. وأكد أن نتائج تصوير الأشعة المقطعية كشفت أن مومياء المرأة الصارخة هي لسيدة ماتت في العقد السادس من العمر و أن جثمانها (و على العكس من مومياء الرجل الصارخ بنتاؤر ) قد نال عناية بالغة من المحنطين الذين أزالوا الأحشاء و وضعوا موادا باهظة الثمن مثل (الراتنج و الحنوط المعطرة) في تجويف الجسم و استخدموا الكتان الطاهر في لف المومياء . وقال إنه طبقا لتلك النتائج فإننا نفترض أن ظروف وفاة "مومياء المرأة غير المعروفة" كانت مختلفة عن حالة "مومياء الرجل الصارخ". ولفت إلى انه لم يتمكن المحنطون من وضع جسد الأميرة في حالة الاستلقاء و غلق الفم كما كان المعتاد مع باقي المومياوات الملكية بسبب جلطة الأوعية التاجية ل"مومياء المرأة غير المعروفة " والتي سببت تلف عضلة القلب مما أدى إلى موتها الفجائي. وأكد أن نتائج هذه الدراسة تفترض أن الأميرة ماتت فجأة( بنوبة قلبية) وهي على وضع الجسد الحالي ساقاها مثنية و ملتفة عند الكاحل، و تسبب الموت في ميل الرأس إلى الجانب الأيمن و ارتخاء عضلات الفك مما أدى الى فتح الفم. وأضاف أن الدلائل تشير الى أن المتوفاه ظلت لفترة كافية لعدة ساعات على هذه الوضعية قبل ان يتم اكتشاف الجثمان فأدى التشنج الذي يعقب الموت الى تيبس العضلات و المفاصل و أبقاء مومياء الأميرة على وضعية الوفاة هذه، ولم يتمكن المحنطون من تأمين أغلاق الفم أو وضع الجسد في حالة الاستلقاء كما كان المعتاد مع باقي المومياوات. وتابع قائلا "يبدو انه لم يهمل المحنطون عملهم عن عمد و لكن ظروف الوفاة أدت لوضعية المومياء هذه غير المعتادة"، مشيرا الى أن صور فحص الأشعة المقطعية أظهرت ان المحنطين لم يستخرجوا مخ المومياء حيث لا يزال يرى المخ بداخل تجويف الجمجمة و لكنه يميل الى الجانب الأيمن و ذلك لوضعية الجسد على هذا الجانب عند الموت و بعد التحنيط. واوضح أن الطب المصري القديم عرف "النوبة القلبية" وربطها بالموت فوصفت بردية الطب المصري القديم المعروفة ب (ايبرز) مخاطبة الطبيب منذ أكثر من 3500 عام "عندما تفحص رجلاً يعاني من آلام في معدته ،و يعاني من آلام في ذراعه وصدره فهذا هو مرض (واد ) - المرادف للنوبة القلبية- و يجب أن تقول له ان الموت يقترب منه ". وأكد أن فحص الأشعة المقطعية ل "مومياء المرأة غير المعروفه "وأوضح أنها عانت من تصلب في شرايين القلب التاجية الأيمن و الأيسر و كذلك شرايين الرقبة و شريان الأبهر البطني والحرقفي وكذلك شرايين الطرفيين السفليين و الساقين، مشيرا الى أن العديد من الدراسات السريرية في الوقت الحاضر اثبتت أن مرض تصلب الشريان التاجي للقلب يعد السبب الرئيسي للوفاة المفاجئة لدى البالغين، ويوصي الطب الحديث في مثل هذه الحالة الطبية الخطيرة المماثلة لحالة مومياء المرأة الصارخة إلى اعطاء الأدوية التي تذيب جلطات الأوعية الدموية و ربما قسطرة قلبية و ذلك لمنع أو الحد من تلف عضلة القلب . وقال إن نتائج هذه الدراسة من خلال ملاحظة خصائص طريقة تحنيط "مومياء المرأة الصارخة" مثل عدم استخراج المخ ، ترجح انها قد تكون ميريت امون ابنة الملك سقنن رع من نهاية الأسرة السابعة عشر 1558- 1553 قبل الميلاد و ليست ابنة الملك رمسيس الثاني (1279-1213 قبل الميلاد) من الأسرة التاسعة عشر. وأكد انه جار مع الدكتورة سحر سليم و الفريق العلمي لمشروع المومياء المصري استكمال الدراسات وإجراء فحوصات ال DNA على مومياء المرأة الصارخة مما قد يساعد على تأكيد هويتها.