منذ أيام عادت ذكرى ميلاد شقيقتي التي رحلت عن دنيانا منذ سنوات بعيدة، وكالمعتاد، تبادلت والمقربون ذكرياتنا معها، وتلقيت ملاحظات عديدة- ممن لم يعرفوها إلا من خلال الصور- بخصوص التشابه الواضح بيننا، مما جعلني أفكر هل تجاربنا متشابهة كملامحنا؟! إنني أعتقد أنها قد عاشت في عصر أكثر جمالاً، لقد كانت (غادة)- رحمها الله- تكبرني بسنوات قليلة، فصارت نموذجًا لي وصديقاتي أيضًا نأمل أن نقلده يومًا ما!! كنا نراها حورية رقيقة، ولعل كل البنات في تلك الحقبة كن حوريات جميلات، فخلال فترة دراستها الجامعية- أواخر الثمانينيات- كانت الفتيات تذهبن للجامعة مرتديات الفساتين الأنيقة والكعب العالي مع المكياج البسيط، وتسريحة الشعر غير المتكلفة، وتتسمن بالسلوكيات المهذبة، والحديث المؤدب، كن من الجيل الذي عرف التمييز بين الدلال والميوعة، فلم تتخطين الخيط الواهي الذي يفصل بينهما. لم يكن نموذج الفتاة (المسترجلة) سائدًا في ذلك الوقت، وكان ارتداء البنطلون مقتصرًا على الرحلات والشواطئ والنوادي، بالطبع أقصد البنطلون المتعارف عليه وقتئذ، حين كان ظهور موضة البنطلون الممزق، أو القذر هو نوع من الخيال المجنون، وكان (الكوتشي) مخصصًا للرياضة، ولم تكن أذواق (بادى كارينا، كارديجان، حذاء فلات) قد ظهرت بعد، وكان أسلوب الصوت العالي و(التطجين) والتلفظ بكلمات مبتذلة، والإتيان بسلوكيات فظة سوقية شيئًا مستهجنًا لا يليق ببنات الأصول، وليس كما يراه البعض حاليًا نوعًا من المساواة والتحرر، ذلك الأسلوب الذي استهجنه- بعد سنوات- أحمد خالد توفيق حينما كتب (الهيبة الأنثوية وجلال الأنثى، هذه أشياء تفسدها الأنثى بنظام الضرب والمعلمة وكفك، تتظاهر بأنها ظريفة خالية من العقد فتفسد كل شيء). لقد أدركت غادة، وجيلها أن الفتاة لا بد أن تحتفظ بكل سحرها ورقتها بجوار جديتها وصرامتها، وأن التهذيب وسمو الأخلاق والسلوك الحسن صفات تزيدهن جمالاً وقيمة، فتمسكن بما يميزهن، ولم تتنازل إحداهن عن كونها رقيقة دون ميوعة، جادة قوية بلا خشونة، فاتنة بدون ابتذال، فعشن حياة مميزة تمتعن خلالها بمباهج الحياة دون التنازل عن مظهرهن كحسناوات، وذلك قبل أن تطغى ثقافة القبح على مظاهر حياة المجتمع المصري فتفقده الرقي والجمال والبساطة. رحمة الله عليك أيتها الجميلة الفاتنة.