أيام ويهل علينا شهر رمضان في ظل انتشار وباء كورونا، الذي يحمل معه مزيدًا من التحديات الاقتصادية وارتفاع معدلات خط الفقر، وازدياد حاجات المواطنين في ظل استغلال البعض للازمة برفع الأسعار دون النظر إلى كفاية الفقراء والمحتاجين وعلاج المرضى والغارمين وغيرها. أكدت دار الإفتاء أنه يشرع تعجيل الزكاة في هذه الآونة التي تمر بها مصر وبلاد العالم جراء انتشار وباء فيروس كورونا وقوفًا مع الفقراء وسد لفاقة المحتاجين وعملاً بالمصلحة التي تستوجب التعجيل حتى لا يؤدي تأخيرها في يد المزكي إلى الإضرار بالفقير، لكنها في الوقت نفسه أجازت تعجيل إخراج الزكاة إذا اقتضت المصلحة ذلك كما هو الحال في أزمنة المجاعات والأوبئة والحروب. وانطلاقًا من دورها الديني أطلقت دار الإفتاء مبادرة "كأني اعتمرت" التى أطلقها الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية لاستغلال المبالغ التى كان البعض ينوى إنفاقها لأداء العمرة في إنقاذ ومساعدة المتضررين من تبعات فيروس كورونا وغيرها من أوجه الخير. الإحصائيات تشير إلى أن المصريين ينفقون على العمرة حوالى 3 مليارات جنيه وأن الأعداد المقدرة للمعتمرين هذا العام حوالي 800000 ألف، وما بين الإسراع في إخراج الزكاة والتبرع للمحتاجين بأموال العمرة المؤجلة يبقي الرهان على وعي المصريين، وحرصهم على دعم الدولة والوقوف بجانبها حتى تمر الأزمة. من جانبه ناشد الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية من كانوا ينوون أداء العمرة هذا العام أن يتبرعوا بقيمتها للفقراء والمحتاجين والمتضررين من العمالة اليومية، والذين فقدوا أعمالهم بسبب توقف حركة الحياة. ووجه المفتى رسالة إلى من حرموا من أداء العمرة هذا العام بسبب الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها السعودية لمنع انتشار الفيروس أنتم لم تحرموا وأبواب الخير مفتوحة على مصاريعها وبتصدقكم فإنكم في عبادة حقيقية متعددة النفع، وأخذتم أكثر من ثواب العمرة. وأطلق بيت الزكاة والصدقات استمارة بيانات إعانة بيت الزكاة لدعم العمالة الموسمية التي تضررت، وتتم مناقشة إنشاء بيت مال في كل محافظة تودع فيه أموال الزكاة والصدقات للأهالي بكل محافظة على حدة على أن تخصص أموال بيت المال الجديد للإنفاق على البطالة والفقر وتطوير القطاع الصحي الحكومي، وزواج بنات المسلمين والغارمين وكذلك الإنفاق على كل البنود التي أقرها الشرع لأموال الزكاة. وفي ذات السياق صرح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بأن من كان قد نوى العمرة هذا العام فحبسته الظروف الراهنة، فتصدق عن طيب نفس بكامل قيمة نفقاتها وتكاليفها للمحتاجين أو للأجهزة أو المستلزمات الطبية جمع الله له أجرين. وخصصت الأوقاف 56 مليون جنيه لمتضرري كورونا والأسر الأولى بالرعاية، وألغت وزارة الأوقاف أي بعثات حج على نفقتها هذا العام وتوجه ما كان مخصصًا لذلك ماليًّا لمساعدة المتضررين من آثار كورونا وتؤكد مساعدة المحتاجين أولى من حج النافلة والعمرة. ولا سيما من فقدوا فرصة عملهم من العمالة غير المنتظمة من عمال اليومية ومن فى حكمهم من العاملين بالمجالات التي تأثرت بالظروف الحالية. وقال الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية إن حملة "كأني اعتمرت" التي أطلقتها دار الإفتاء المصرية لمواجهة التداعيات الاقتصادية الأليمة بسبب إجراءات مواجهة فيروس كورونا هي نداء إسلامي مستمد من فلسفة الإسلام الراقية في العبادة. وأضاف نجم أن الحملة تمثل صرخة أصحاب الحاجات لأهل الفضل أن أفيضوا علينا من المال أو مما رزقكم الله، ومحاولة لإعادة الاعتبار لنصوص إسلامية جعلت نفع الآخرين ورفع الحرج عنهم أفضل عند الله من عبادات فردية تشبع رغبات أصحابها ولا يتعدى نفعها إلى غيرهم، وهذه الحملة المباركة هي رغبة في إعادة العقل المسلم لفقه الأولويات وهذه الحملة ومثيلاتها من الحملات تمثل النزوع الإنساني إلى الخير في أبهى صوره، وتجسد الفهم النبوي الراقي لمهمة المسلم الإيجابية داخل مجتمعه. واجب ديني ووطني وفي تصريحاته ل"الأسبوع" الدكتور عبدالمقصود باشا الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أكد أن الأزمة الحالية تفرض على الجميع التكاتف. وأن هذا الوقت هو الأكثر لتقديم المساعدة والمنفعة للناس وخاصة في شهر رمضان وعلى كل مقتدر أن يساعد المحتاجين قدر المستطاع، فأبواب الخير ما مفتوحة والإسلام يحثنا على مساعدة وإغاثة الناس في وقت الأزمات، مطالبًا من كان يريد أداء العمرة وادخر الأموال للعمرة والنية قائمة بأن يتبرع به لمن يحتاج في هذا الوقت ويدعم المبادرات لدعم عمال اليومية والمحتاجين وهذا أكثر ثوابًا، وهو ما يرفع البلاء لأن الصدقة ترفع البلاء، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، واتفق عليه علماء الأمة ومذاهبها المتبوعة وأنه يجب على أغنياء المسلمين القيام بفرض كفاية دفع الفاقات عن أصحاب الحاجات. موضحًا أنه على من كان ينوي العمرة أن يسعى في مساعدة الفقراء والمساكين وقضاء ديون الغارمين فما نقص مال من صدقة. مؤكدًا أن مساعدة المحتاجين أولى من أداء العمرة وخير الطاعات ما كان فيه نفع للناس وقت الأزمات. وأشار الدكتور عبدالمقصود إلى أن مساعدة الفقراء والمحتاجين والمتضررين والعمالة غير المنتظمة بسبب فيروس كورونا واجب ديني ووطني فهذا أولى وأفضل وأعلى ثوابًا، وأعظم أجرًا ما صدقت النية فيه، حتى تنتهي الازمة وسيعود الخير على كل واحد قدَّم المصلحة العامة على الخاصة، موجهًا خطابه لمن لم يستطع أداء العمرة وساعد المحتاجين أن الله سيعوضه خيرًا. وأضاف "باشا" أن الأجر على قدر النية، فطالما كانت نيتك خيرًا وتكبدت المشاق في توفير النفقات وحالت الظروف دون الذهاب وساهمت في مساعدة المحتاجين فأجرك على قدر نيتك، فالعمرة لك محسوبة وربما تكون مضاعفة، فالحسنة عند الله بعشرة أمثالها فما نعيشه من كبوة اقتصادية وتسريح للعاملين وعجز المؤسسات عن سداد المرتبات أمر ليس سهلاً في ظل توقف تحويلات المصريين من الخارج وانخفاض دخل قناة السويس والسياحة وقلة الإنتاج كلها أمور تستدعي أن نقف بجوار الدولة أنه يجوز إخراج الزكاة قبل موعدها نظرًا للظروف التي تمر بها البلاد، بعد الظروف الاقتصادية القاسية التي نواجهها بسبب فيروس كوورنا. وأشار "باشا" لأهمية التعجيل بإخراج الزكاة لأن الأصل في الزكاة إنقاقها على مصلحة الفقراء وسدادها لفاقة المحتاجين حتى يتحقق المقصد التكافلي ويحصل الاكتفاء الذاتي وتظهر العدالة المجتمعية وتحل المشكلات الاقتصادية. وعلى وسائل الإعلام أن تركز الجهود على التكافل الاجتماعي وعلى أغنياء مصر أن يساهموا في دعم الدولة التي بدورها ترعي الطبقات الكادحة ومساعدتهم ليست واجبة فقط لكنها فرض عين إذا لم تساهم فأنت آثم، وبالتالي نحن أمام وباء يجب أن تتضافر الجهود حتى نمر من هذه الأزمة ومصر على مر التاريخ تعرضت لأكثر من مرة لمثل هذه التحديات وبفضل تكاتف جهود أبنائها مرت تلك الأزمات.. مختتمًا كلامه بالدعوة إلى أن نستغل هذه الأيام المباركة في التقرب إلى الله ونشر الرحمة والتكافل وكل المعاني الإنسانية حتى نخرج من تلك الأزمة ونحن أقرب إلى طاعة لله.