5 أفلام في بلاتوهات التصوير.. أبرزها «السلم والثعبان 2»    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    البابا تواضروس يهنئ رئيس الوزراء بعيد الأضحى المبارك    محافظ البحر الأحمر يعلن رفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج ل26.4 مليار دولار «خلال 9 أشهر»    وزيرة التنمية المحلية تستعرض تقريراً حول ملف القضية السكانية    مشتريات محلية تقود صعود مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات جلسة الأربعاء    رئيس الوزراء يشدد على ضرورة التصدى لأية محاولات للتعدى على الأراضى الزراعية    هل يكفي إنتاج مصر من اللحوم لسد احتياجاتنا؟.. الحكومة تجيب    محافظ المنوفية يبحث مع حماية الأراضي بوزارة الزراعة مواجهة التعديات    محافظ المنيا: توريد 500 ألف طن قمح حتى الآن    شركات الطيران العالمية تحذر من الرسوم الجمركية الأمريكية: تعرض السلامة الجوية للخطر    استشهاد 16 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على خيام النازحين بغزة    مجلس الأمن يصوت اليوم على مشروع قرار لوقف إطلاق في غزة    إذاعة مغربية: عادل رمزي مُرشح لخلافة الرمادي في تدريب الزمالك    مكافآت خاصة للاعبي الزمالك حال الفوز بكأس مصر    كأس العالم للأندية - في الجول يكشف القائمة الأقرب ل الأهلي للسفر إلى أمريكا    «تعليم الجيزة»: التعامل الفوري مع أي محاولات للإخلال بنظام الامتحانات    حار نهارا.. الأرصاد تكشف عن طقس غد الخميس وقفة عيد الأضحى المبارك    تجديد حبس 5 متهمين 15 يوما بقضية التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الأقصر    «مياه القليوبية» تعلن رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    «توفت بشموخ وكبرياء».. ناقدة فنية تنعى سميحة أيوب    تبدأ بنقل وقفة عرفات .. تفاصيل خريطة عرض شاشة MBC مصر في عيد الأضحي    دعاء يوم التروية 2025 للرزق وتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    الصحة تعقد اجتماعا مع مستشفى جوستاف روسي (هرمل السلام سابقا) لتيسير الخدمات العلاجية للمرضى    بالأسماء.. 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج في عيد الأضحى    28 فرصة و12 معيارًا.. تفاصيل منظومة الحوافز الاستثمارية للقطاع الصحي    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    القومي لثقافة الطفل يحتفل بعيد الأضحى المبارك    سيد رجب يشارك في بطولة مسلسل «ابن النادي» إلى جانب أحمد فهمي    برنامج تدريبي لصغار المربين بالمحافظات للتوعية بأمراض الدواجن والطيور    «مباشرة لا عن طريق الملحق».. حسابات تأهل العراق ل كأس العالم 2026    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    يديعوت أحرنوت: حماس تعيد صياغة ردها على مقترح ويتكوف.. وأمريكا تتوقع إعلانا بحلول عيد الأضحى    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب حلول عيد الأضحى    خالد سليم يشارك جمهوره صورًا تجمعه بعمرو دياب وعدد من النجوم    جبران: حريصون على استقلالية النقابات وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات    أحكام الحج (12).. علي جمعة يوضح أعمال أول أيام التشريق    الجباس: بيراميدز بطل الدوري هذا الموسم.. ومواجهة الزمالك أصعب من صن داونز    فرصة للترقية.. حظ برج العذراء في شهر يونيو 2025    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    مصرع شخص وإصابة 21 شخصا في حادثين بالمنيا    أيام الرحمة والمغفرة.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    تكبيرات عيد الأضحى 2025.. تعرف على حكم التكبير فى العيدين بصيغة الصلاة على النبى    زلزال بقوة 5.3 درجة يضرب جزيرة سيرام الإندونيسية    أحمد الصالح: على الزمالك مهاجمة بيراميدز منذ بداية مباراة كأس مصر    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    وزير خارجية إيران: تخصيب اليورانيوم داخل أراضينا هو خطنا الأحمر    ظهور وزير الرياضة في عزاء والدة عمرو الجنايني عضو لجنة التخطيط بالزمالك (صور)    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    رشوان توفيق ينعى سميحة أيوب: موهبتها خارقة.. وكانت ملكة المسرح العربي    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقلاً عن ' اليوم السابع ' وبالإتفاق مع الدار المصرية اللبنانية..
مصطفي بكري يواصل كشف أسرار الجيش والإخوان..

أزمة القَسَم بعد إعلان فوز الرئيس مرسي في ظل حل مجلس الشعب.. الرئيس لم يعترف بحكم المحكمة الدستورية بحل المجلس وحاول إعادته للحياة يواصل الكاتب الصحفي مصطفي بكري كشف العديد من الأسرار والتفاصيل عن التحولات والأحداث السياسية التي شهدتها مصر منذ يوم 25 يناير وما بعدها، في كتابه 'الجيش والإخوان' الذي صدر عن الدار المصرية اللبنانية.. تناول بكري في حلقة الأمس الانتخابات الرئاسية بمرحلتيها، ودور المجلس العسكري وكل من المشير طنطاوي والفريق عنان بالانتخابات الرئاسية، وما يتعلق بما أثير عن وقوع مخالفات في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وفي هذا الفصل يواصل بكري تسليط الضوء علي أزمة القسم للرئيس مرسي بعد فوزه في الانتخابات.
كان كل شيء يمضي سريعا، حالة الذهول لاتزال تسيطر علي الملايين من المصريين الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام متغير تاريخي كبير، إنها المرة الأولي التي يصل فيها مرشح ينتمي إلي تنظيم سري إلي قمة هرم السلطة في مصر.
الرئيس نفسه لا يكاد يصدق الخبر، مجموعات العمل الرئيسة بجماعة الإخوان المسلمين كانت قد انهمكت في الاستعداد لتنفيذ خطة السيطرة علي مفاصل البلاد الأساسية، كانوا يسابقون الزمن، يتحسسون لجميع المخاطر وردود الفعل.
لم يبقَ من الوقت سوي ثمانٍ وأربعين ساعة علي تسلم الرئيس مرسي مهام السلطة فعليًا، بعد أداء اليمين الدستورية، غير أن الخلاف المطروح في هذا الوقت، كان يقول إذا كانت هيئة المحكمة الدستورية مصرَّة علي أن يذهب الرئيس إلي مبني المحكمة في المعادي، فلماذا لا يتم التوصل إلي حل وسط يفضي بعقد الجلسة في مكان آخر؟!
علي الفور طلبت مؤسسة الرئاسة من هيئة المحكمة الحضور إلي قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، لأداء القسم أمامها بمشاركة أعضاء مجلسي الشعب والشوري والعديد من الشخصيات الأخري.. لكن المحكمة رفضت الطلب المقدَّم، وأبلغت الرئاسة بأنها لا تعقد جمعيتها العمومية إلا داخل أسوار مبني المحكمة الواقع علي كورنيش النيل بالمعادي.
اضطربت مشاعر الرئيس مرسي، ثار وغضب، ولكن لم يكن أمامه من خيار آخر، لقد رفضت هيئة المحكمة جميع الضغوط التي مورست عليها، وقررت إعمال القانون والقواعد علي الجميع ودون استثناء.
كان الرئيس قد وعد قبل ذلك بأداء القَسَم أمام مجلس الشعب، لم يعترف بحكم المحكمة الدستورية الصادر في 14 يونيو بحل المجلس، لقد أخذ علي عاتقه مهمة إعادة المجلس إلي الساحة مجددًا، قال ذلك في أكثر من تصريح انتخابي، لقد رأي أن إصرار المحكمة علي أدائه القسم أمامها فقط وداخل مبناها من شأنه أن ينال من وعده ومصداقيته أمام نواب مجلس الشعب 'المنحل' وأمام جماعة الإخوان.
حاول القصر الرئاسي إقناع هيئة المحكمة كثيرًا، إلا أنه فشل في ذلك، تم التوصل إلي فكرة تقول بدعوة عدد من أعضاء مجلس الشعب 'المنحل' وبعض الشخصيات الأخري لحضور أداء القسم أمام المحكمة الدستورية وداخل مبناها، إلا أن المحكمة رفضت الطلب، وأكدت أن جلساتها لا يحضرها سوي أعضائها.
لم يكن أمام الرئيس من خيار آخر، باقٍ من الزمن ساعات قليلة ليتسلم السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والمحدد له في الثلاثين من يونيو، أبدي الرئيس موافقته، وقررت المحكمة عقد جمعيتها العمومية في تمام العاشرة من صباح السبت 30 يونيو، وبدأت الاستعدادات لذلك.
كان المشير حسين طنطاوي يتابع الأحداث أولا بأول، لقد دعا إلي عقد جلسة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في تمام الحادية عشرة من صباح الخميس 28 يونيو لبحث الإجراءات النهائية لتسليم السلطة للرئيس المنتخب، وخلال الجلسة أجري الرئيس محمد مرسي اتصالاً هاتفيًا بالمشير طنطاوي، طلب منه فيه حضوره وحضور جميع أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة الاحتفال الذي سيقام بالقاعة الرئيسية بجامعة القاهرة ظهر السبت 30 يونيو.
لقد حاول المشير في حضور المجتمعين الاعتذار عن عدم المشاركة، خوفًا من تطاول البعض علي القوات المسلحة في هذا الاجتماع الجماهيري، كما أنه سيكون في استقبال الرئيس في الاحتفال الذي سيقام بمعسكر 'الهايكستب' علي طريق القاهرة - الإسماعيلية، إلا أن الرئيس قال للمشير: 'بضمانتي أنا شخصيًا.. لن يحدث أي تطاول من أحد علي القوات المسلحة'، وراح الرئيس يحث علي ضرورة الحضور!!
بعدما أنهي الرئيس مكالمته الهاتفية عرض المشير طنطاوي الأمر علي أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة، فتقرر حضور المشير ورئيس الأركان وعدد من أعضاء المجلس الأعلي استجابة لرغبة الرئيس.
أدي الرئيس محمد مرسي صلاة الجمعة 29 يونيو بالجامع الأزهر، لقد احتشد الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يرددون الهتافات، ذرف الرئيس الدموع حينما راح الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف يذكِّر المصلِّين في خطبته بمشهد دخول الفرنسيين للجامع الأزهر بالأحذية والخيول.
لقد طالب الخطيب رئيس الجمهورية بالعمل علي ضرورة تحقيق العدل والديمقراطية والمساواة التي ثار من أجلها الشعب، وكان الرئيس يومئ برأسه، وكأنه يتعهد أمام الجميع بالوفاء بهذه الأهداف والسعي لتحقيقها.
غادر الرئيس الجامع الأزهر وسط هدير من الهتافات الجماهيرية التي تعلن الوقوف خلفه ودعمه ومساندته، كان الرئيس قد قرر إلقاء خطابه الأول بميدان التحرير، وفاءً للثورة ولشهدائها الأبرار، احتشدت التيارات الإسلامية وبعض الفصائل الثورية وأنصار الشيخ عمر عبد الرحمن استعدادًا لاستقبال الرئيس مساء اليوم نفسه، كانت الحشود ضخمة، اكتسي ميدان التحرير بلافتات التهنئة والترحيب، وحملت اللافتات مطالب بالسعي للإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن، وضرورة الثأر للشهداء، وتحقيق أهداف الثورة.
وصل الرئيس إلي ميدان التحرير في الموعد المحدد، كان حوله رجال أقوياء من الحرس الجمهوري، الذين تسلموا الميدان والمنصة من بعد صلاة الجمعة، بدا الرئيس بسيطًا وهو يصافح بعض مستقبليه، الذين كانوا يتولون الإشراف علي المنصة الرئيسية بالميدان، صعد إلي المنصة سريعًا، كانت الحشود هادرة، والهتافات لا تريد أن تتوقف، وكان الرئيس يرتدي حُلة بلا رابطة عنق، أمسك بالميكروفون، ألقي بنظره علي الجمع الغفير الذي ظل لعدة ساعات ينتظره في الميدان، لم يكن قد أعد خطابًا مكتوبًا، أراد أن يُحدِّث الناس من قلبه، وجهًا لوجه.
بدأ خطابه بلغة لم يتعودها الناس من رئيس الدولة عندما يخاطبهم، قال: 'أيها الشعب المصري، أيها الأحباب الكرام، يا شعب مصر العظيم، أيها الواقفون في ميدان الثورة، في ميدان الحرية، في ميدان التحرير، الواقفون في كل ميادين مصر، في كل قري وميادين محافظات مصر، يا من تشاهدوننا في البيوت، يا من تنظرون إلي هذا الموقف، أيها العالم الحر، أيها العرب، الإخوة والأخوات، الأبناء والبنات، المسلمون في مصر، المسيحيون في مصر، أيها المواطنون الكرام، أينما كنتم، أيها المصريون في داخل مصر وخارج مصر، أهلي وأحبابي، أعزتي'!!
كانت هذه مصطلحات غريبة علي المصريين، لقد تعود الناس عندما يخاطبهم رئيس الجمهورية أن يختصر الأمر في عبارة واحدة تتراوح بين 'أيها الإخوة المواطنون، أو يا شعب مصر العظيم، وفقط، أما هذا الرئيس فقد كانت له لغته المختلفة، وحتي عندما تطرق في خطابه للفئات الاجتماعية، فقد راح يرد الاعتبار لمحافظات سبق أن سقطت منه سهوًا في خطابه الأول الذي شكر فيه أبناء الشعب بعد فوزه بمنصب الرئيس مباشرة، ومن بين هذه المحافظات: دمياط والبحيرة والقاهرة والجيزة، وكذلك الحال وجّه التحية لفئات اجتماعية أبدت غضبتها لأن الرئيس تجاهلها في خطابه الأول، ومن بين هؤلاء: أهل الفن والإبداع والثقافة ورجال الأعمال ومتحدو الإعاقة، وهؤلاء سبق لهم أن انتقدوا تجاهل الرئيس لهم في خطابه الأول في الوقت الذي لم ينس توجيه التحية فيه إلي الفئات الأخري كافة، والتي احتفت بذلك، وراحوا يقولون: إن الرئيس تذكر سائقي 'التوك توك' ولم يتذكرنا!!
لقد توقف المراقبون في هذا الوقت عند ذكر الرئيس عبارة: أيها الشعب العظيم، جئت أمامكم لأنكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلو عليها شرعية، أنتم أهل الشرعية ومصدرها وأقوي مكان فيها، من يحتمي بغيركم يخسر ومن يَسِرْ مع إرادتكم ينجح، جئت إليكم لأنني مؤمن تمامًا بأنكم مصدر السلطة والشرعية، التي تعلو علي الجميع، لا مكان لأحد ولا مؤسسة، ولا هيئة ولا جهة فوق هذه الإرادة، الأمة هي مصدر السلطات جميعًا، هي التي تعقد وتعزل، من أجل ذلك أتيت اليوم إلي هنا، الكل يسمعني الآن، الشعب كله يسمعني، الوزارة والحكومة، الجيش والشرطة، أقولها وبكل قوة: 'لا سلطة فوق هذه السلطة، أنتم أصحاب السلطة، أنتم مصدر هذه السلطة، تمنحونها من تشاءون وتمنعونها عمن تشاءون'.
لم تكن الكلمات السابقة مجرد بالونات في الهواء، أو توصيف لمسلَّمات معروفة، فالشعب حقًا هو مصدر السلطات، هكذا نصَّت جميع الدساتير، إلا أن البعض توقف أمام هذه العبارات وراح يقول: 'إنها رسالة علي الهواء مباشرة إلي قادة الجيش المصري الذي لايزال يُمسك بالسلطة من خلال 'الإعلان الدستوري المكمل' الذي نال انتقادات واسعة من جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وأيضًا من قوي ليبرالية أخري'!!
لقد أراد الرئيس أن يحتمي بالشعب في مواجهة أي محاولة للانتقاص من سلطاته، أراد أن يُبلغ قادة الجيش الرسالة واضحة، بل أراد أن يقول لما يسمونه 'الدولة العميقة': 'إن الشعب يعلو علي القانون والدستور، وسألجأ إليه دومًا في مواجهة أي محاولة للانتقاص من سلطاتي'، ولذلك راح يستكمل خطابه موجهًا حديثه إلي الشعب للحصول علي موافقته علي مقولاته السابقة عندما قال: 'هل ستقفون معي لنحصل علي كامل حقوقنا؟ لن ينتقص أحد كائنًا من كان شيئًا من حقوقكم ما دامت هذه إرادتكم بعد إرادة الله'، فكان صوت الناس يدوِّي في المقابل: نعم 'موافقون'!!
كانت الرسالة واضحة، لكن وضوحها تجلي بشكل أكبر، عندما قال الرئيس مخاطبًا المحتشدين بالميدان: 'لن أتهاون في انتزاع أي صلاحية من صلاحيات رئيس الجمهورية، وليس من حقي أن أفرط في الصلاحيات والمهام التي اخترتموني علي أساسها، هذا عقد بيني وبينكم علي ذلك'!!
مرت هذه الكلمات علي قادة الجيش مرور الكرام، بل عندما تحدث أحد كبار الضباط مع المشير طنطاوي بقوله: 'إن الرئيس يوجه رسائله إلينا، وكأننا اغتصبنا السلطة ومصرون علي التمسك بها'، رد عليه المشير بأن الرئيس لا يقصد ذلك، وقد أبلغت الرئيس بأننا غير راغبين في التمسك بأي سلطة، بما فيها سلطة التشريع التي سنسلمها علي الفور إلي مجلس الشعب الجديد عقب انتخابه مباشرة.
أدي الرئيس القَسَم أمام مئات الآلاف في ميدان التحرير: 'أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا علي النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعي مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ علي استقرار الوطن وسلامة أراضيه'.
كان الرئيس بذلك يستجيب لطلب العديد من ائتلافات شباب الثورة بضرورة أن يؤدي القَسَم أمام الميدان وفاءً لأرواح الشهداء، بالضبط كما حدث مع رئيس الوزراء عصام شرف الذي تعهد أمام الميدان بالسعي لتحقيق أهداف الثورة!!
لقد أطلق الرئيس في هذا الخطاب تعهدات أكد من خلالها أنه سوف يتمسك بها، لقد أزاح من أمامه حرَّاسه وهو يكشف صدره ويقول للمحتشدين: 'بابي مفتوح لكم، أنا لا أرتدي قميصًا واقيًا، أؤكد لكم أنني سأعمل معكم في كل لحظة من ولايتي الرئاسية، وسأغلّب ذلك في مصالح الوطن العليا، سأرسي مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وأزيل كل أشكال الظلم والتمييز، واعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الله ليملي للظالم حتي إذا أخذه لم يُفلته، وها نحن نري أخذ الله للظالمين'!!
كان خطاب الرئيس في هذا اليوم مبشرًا وداعيًا للتفاؤل، لقد رصدت مراكز الاستطلاع تنامي شعبية الرئيس بدرجة كبيرة عقب هذا الخطاب، بل إن كثيرًا ممن لم يعطوه أصواتهم، راحوا يراجعون أنفسهم، ويبدون تفاؤلهم بالرئيس الجديد، الذي سيتبني أهداف الشعب والثورة في النهوض والتقدم إلي الأمام، وسيكون حقًا رئيسًا لكل المصريين، لن يفرق بين الذين قالوا 'نعم'، والذين قالوا 'لا'!!
نامت البلاد علي 'حلم' تمنت أن يتحقق، ساد شعور لدي المصريين بأن فترة التوتر سيعقبها هدوء، وبأن حالة الانفلات التي عاشتها البلاد لنحو عام ونصف العام سوف تنتهي علي يد الرئيس الجديد، الذي سيلملم الشتات، وينهي حروب التصفيات، ويوحد المصريين جميعًا علي قلب رجل واحد!!
كان الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي الذي نافس الرئيس في جولة الإعادة قد أعد بيانًا مسجلاً، هنأ فيه الرئيس الجديد بتوليه مهام السلطة في البلاد، وأعلن قبوله نتائج الانتخابات الرئاسية، لقد أذيع البيان مساء يوم الاثنين 25 يونيو، أي بعد الإعلان عن فوز الرئيس بساعات قليلة.
وفي وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء 26 يونيو غادر الفريق شفيق وبناته الثلاث القاهرة، متجهين إلي دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال أحد مساعديه إنه غادر البلاد علي متن طائرة تابعة لطيران الإمارات إلي 'أبوظبي'، ومنها إلي الأراضي السعودية لأداء العمرة ثم العودة إلي الوطن لتأسيس حزب سياسي جديد.
لقد التقي الفريق شفيق المشير طنطاوي المسؤول الأول في البلاد حتي هذا الوقت، يوم الاثنين، لاستئذانه في السفر إلي الإمارات ومنها إلي الأراضي السعودية لأداء العمرة، حيث لم تكن هناك أي قرارات بمنع الفريق شفيق من السفر، جري حوار قصير بين الطرفين، بعدها غادر الفريق شفيق مقر وزارة الدفاع وودع المشير وعددًا من قادة الجيش، ثم مضي، وتم التكتم علي الأمر، وفي صباح اليوم التالي فوجئ الكثيرون من رواد مطار القاهرة بوجود الفريق شفيق داخل صالة المطار مغادرًا علي متن طائرة الإمارات المتجهة إلي 'أبوظبي'، ولكن ما هي إلا أيام قليلة حتي قُدِّم العديد من البلاغات التي توجه إليه اتهامات بالفساد، كان من نتيجتها صدور أمر من قاضي التحقيقات بوضعه وآخرين علي قوائم الترقب والوصول والمنع من السفر، ثم إحالته إلي محكمة الجنايات في أكثر من قضية، لقد كان الفريق شفيق يدرك ما يدبر له، ولذلك فضَّل البقاء في 'دبي' بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن هناك راح يوجه رسائله التي يرد فيها علي الحرب المعلنة ضده، وكذلك علي بقية المواقف السياسية للنظام.
في العاشرة من صباح السبت 30 يونيو وصل موكب الرئيس محمد مرسي إلي مبني المحكمة الدستورية العليا بالمعادي، كان الموكب كبيرًا وضخمًا، انتشرت قوات الحرس الجمهوري في كل مكان، كان رئيس المحكمة حتي هذا الوقت هو المستشار فاروق سلطان 'رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية'، وكان موعد نهاية خدمته هو الثلاثين من يونيو، إنه اليوم الأخير في مسيرته القضائية.
وقف الرئيس وسط المستشارَيْن فاروق سلطان 'رئيس المحكمة'، وماهر سامي 'رئيس المحكمة الذي سيخلف المستشار سلطان بعد ساعات قليلة'، تم عزف السلام الجمهوري، أعقبه أداء الرئيس للقسم، قبيل أن يلقي خطابه أمام الجمعية العمومية لأعضاء المحكمة.
قبيل هذا المشهد كان لدي الرئيس إصرار علي عدم نقل أداء القسم علي الهواء مباشرة، خاصة أن جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الأخري، قد حذرته من هذه الخطوة، التي تعني اعترافًا وتعهدًا أمامها باحترام حكمها الذي صدر بحل مجلس الشعب، وأيضًا اعترافًا بالإعلان الدستوري المكمل، الذي تراه هذه القوي بمثابة انتقاص من سلطات الرئيس.
كانت جماعة الإخوان قد دفعت بحشودها إلي ميدان التحرير منذ يوم التاسع عشر من يونيو، لممارسة الضغط علي اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التي كانت تُعِدُ لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، وأيضًا بهدف الضغط لإلغاء الإعلان الدستوري المكمل.
لقد تعهد الرئيس لمكتب الإرشاد بأن يؤدي القسم أمام أعضاء مجلسي الشعب والشوري الذين سيحتشدون في الحادية عشرة من صباح اليوم بالقاعة الرئيسية بجامعة القاهرة ومعهم العديد من الرموز والشخصيات الأخري، لذلك طلب الرئيس تسجيل القَسَم أمام المحكمة وإذاعته في وقت لاحق، بعد خطابه أمام المؤتمر الذي سيُعقد بعد قليل في جامعة القاهرة.
تبنت المستشارة تهاني الجبالي 'نائب رئيس المحكمة الدستورية' وعدد آخر من المستشارين موقفًا رافضًا في مواجهة مطلب الرئيس، حيث اكتشفوا الخديعة، وأصروا علي إعمال المادة '30' من الإعلان الدستوري المكمل التي توجب علي الرئيس أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، في ظل غياب مجلس الشعب، جرت حوارات عديدة، انتصر فيها رأي المحكمة في نهاية الأمر، وقرر الرئيس أن يؤدي القَسَم وأن يلقي خطابًا قصيرًا تم نقله علي الهواء مباشرة.
لقد وجَّه الرئيس مرسي في خطابه التحية إلي شعب مصر وإلي المحكمة وقال: 'التحية من القلب إلي شعب مصر، أتوجه بالتحية الواجبة إلي المحكمة الدستورية ولرئيسها وأعضائها جميعًا، هذا الصرح، هذه المؤسسة التي نحرص عليها جميعًا، شعبًا وسلطة تنفيذية وتشريعية، وأحرص أنا علي أن تبقي هذه المؤسسة، مستقلة، قوية، فاعلة، لا تشوبها شائبة'.
وقال: 'أحترم المحكمة الدستورية، وأحكامها، والقضاء وأحكامه ومؤسساته جميعًا، وهذا ما سنسعي إليه في المستقبل'. وأضاف: 'الحمد لله أن لدينا هذه المؤسسات، والحمد لله أن هذه المؤسسات بها رجال مخلصون لوطنهم وحريصون علي تحقيق مصلحته ويعرفون ويفهمون معني احترام الدستور والقانون والأحكام'.
كانت الكلمات واضحة، لقد أكد خلالها الرئيس احترامه للقضاء والمحكمة الدستورية ورجالها المخلصين وأحكامها، وتعهد بالحرص عليها: مستقلة، قوية، فاعلة.
أحدث خطاب الرئيس حالة من الارتياح لدي أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة ولدي رجال القضاء، ولدي الرأي العام، وأزال من أذهان الكثيرين مواقف الرئيس السابقة التي كشف عن بعضها خلال فترة الترشح تجاه حكم المحكمة الدستورية الصادر في 14 يونيو بحلّ مجلس الشعب.
قطع الرئيس المسافة بين مبني المحكمة الدستورية العليا في المعادي ومبني جامعة القاهرة بالجيزة في مدة لم تزد علي عشرين دقيقة، لكن يبدو أن الرئيس نسي تعهداته أمام المحكمة الدستورية وراح يعيد إنتاج مواقفه مجددًا أمام جمهور الحاضرين بالقاعة الكبري لجامعة القاهرة.
قبيل أن يدلف الرئيس إلي قاعة جامعة القاهرة بقليل، دخل إلي المبني عدد من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة استجابة لرغبة الرئيس، وإذا بهتافات من آخر القاعة تنطلق فجأة: 'يسقط يسقط حكم العسكر'.
ثار اللواء حسن الرويني، قائد المنطقة المركزية وعضو المجلس الأعلي، نظر إلي د.محمد البلتاجي الذي يبدو أنه كان وراء تحريك هذه الهتافات، وقال له بصوت عالٍ أمام الجميع: 'جري إيه يا بلتاجي.. ده إحنا دافنينه سوا'، كانت العبارة تعني شيئا ما، وفسر البعض مضمونها في هذا اليوم بأنها تعني 'أن اتفاقنا لم يكن كذلك وأنك تغدر بالاتفاق'!!
كان معروفا عن محمد البلتاجي أنه اليد التي تحرك مثل هذه الهتافات وحشد التظاهرات، وقد ربطت بين البلتاجي واللواء الرويني علاقة وثيقة خلال تواجدهما بميدان التحرير، خاصة بعد نزول الجيش والإخوان إلي الميدان في 28 يناير 2011، ويذكر الناس مقولة الرويني الشهيرة للبلتاجي في موقعة الجمل عندما قال له: 'نزِّل الأولاد اللي فوق يا بلتاجي، بدل ما أنزلهم بالرصاص'، كان الرويني يقصد مجموعات من شباب الإخوان اعتلت أسطح العمارات المحيطة بميدان التحرير في مساء اليومين الأول والثاني لموقعة الجمل، وقد وُجهت إليهم اتهامات بالمسؤولية عن الأحداث في هذا الوقت.
احتدم الحوار بين البلتاجي والرويني داخل القاعة الرئيسية بجامعة القاهرة، أدرك المرشد العام للجماعة د.محمد بديع، الذي كان حاضرا، أن الأمر يمكن أن يتطور إلي أزمة، ترك مقعده، واتجه إلي حسن الرويني، وقال له: 'معلش، أنا سأنهي هذا الموضوع فورًا، أنت عاوز إيه، أنا حخلي القاعة كلها تصفق للمشير بمجرد دخوله'، ثم أمسك بهاتف كان في يده، همس ببعض كلمات، وبالفعل ما إن دخل المشير إلي القاعة حتي عم التصفيق الحاد، وانطلقت الهتافات 'الجيش والشعب إيد واحدة'!!
لقد تسببت الإجراءات في مشكلات عديدة، فقد حدَّثني د.محمود كبيش - عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة صباح اليوم ذاته يشكو من هذه الإجراءات الأمنية التي أشعرته بالإهانة، رغم أنه من المدعوين لحضور هذا اللقاء، فقد رفض المشاركة وقام بالعودة إلي منزله.
تنفست الصعداء في هذا الوقت، فقد اعتذرت عن عدم المشاركة في هذه الاحتفالية، وقررت أن أشارك في احتفال تسليم السلطة في 'الهايكستب'.
قبيل أن يدخل الرئيس مرسي إلي قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة فوجئ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بعدم وجود مقعد له في الصف الأول شأنه شأن الآخرين، وقف الرجل مندهشًا، يبدو أن أحد الأفراد قرر أن ينزع اسمه من فوق الكرسي المخصص له نكاية في مواقفه، أو ربما هناك تعمد لإهانة الرجل أمام هذا الجمع من البشر.
حاول البعض أن يبحث له عن كرسي في أحد الصفوف الخلفية، إلا أن شيخ الأزهر قرر الانسحاب وفضَّل أن يحفظ كرامته ومكانة الأزهر، وألا يعرِّض نفسه والأزهر للإهانة، حيث أدرك أن الأمر كان متعمدًا، وأن استضافته الفريق أحمد شفيق في منزل العائلة بالأقصر خلال فترة الترشح ربما كانت هي السبب خلف ما جري، غادر إلي مبني المشيخة، وكان الحزن يسيطر عليه، وأثار ذلك غضبًا واستياء لدي الرأي العام.
لقد انتظر البعض من الرئيس أن يُجري اتصالاً هاتفيًا علي الفور لترضيته، إلا أن هذا الأمر تأخر لعدة أيام، مما أثار المزيد من الاستياء في الشارع، كما أن كاميرات التصوير رصدت بعد ذلك مصافحة الرئيس للرموز العسكرية والمدنية التي حضرت حفل تخرج طلاب إحدي الكليات العسكرية، إلا أن الرئيس تجاهل مصافحة شيخ الأزهر رغم تواجده بالصف الأول، وكانت كل هذه المواقف تعني رسائل موجهة إلي موقفه السابق.
أكد الرئيس محمد مرسي في خطابه أمام الحاضرين بجامعة القاهرة العديد من المواقف المهمة المتعلقة بالأوضاع الداخلية والخارجية، إلا أن المحللين توقفوا هنا أمام أربعة مواقف تضمنها هذا الخطاب، وهي:
- الأول: الإشادة بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة حيث قال عنه: 'إنه أوفي بالعهد والوعد الذي قطعه علي نفسه بألا يكون بديلاً للإرادة الشعبية، وبأن الجيش المصري العظيم سوف يعود ليتفرغ لمهمته في حماية أمن وحدود الوطن، وقال إن القوات المسلحة ستعمل مع باقي مؤسسات الدولة في إطار الدستور والقانون'.
وكان الرئيس يعني هنا أن القوات المسلحة لابد أن تعود وفورًا إلي ثكناتها، وكان يعني أيضًا أنه سيلتزم بجميع القوانين والإعلانات الدستورية التي تحدد شكل العلاقة بينه وبين القوات المسلحة في عملها مع بقية المؤسسات، وهي تعهدات سوف نري بعد ذلك كيف انقلب الرئيس نفسه عليها!!
- ثانيا: قال الرئيس في حديثه: 'إن البرلمان المنتخب اختار جمعية دستورية وستستعين بجميع الخبراء في الاتجاهات كافة ليأتي الدستور معبرًا عن التوافق الوطني ومرسِّخًا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ومحافظًا علي قيم المجتمع وحارسًا للحريات الخاصة'.
وأشار إلي أن 'الدستور الجديد سيقوم علي الحق والقانون، لينقل مصر إلي مصاف الدول الحديثة التي يكون الحاكم فيها أجيرًا عند الشعب'.
هذا هو ثاني الوعود التي أعلنها الرئيس أمام الجمهور المحتشد بجامعة القاهرة، ثم جاء الدستور بعد ذلك مفتقدًا التوافق الذي وعد به الرئيس ووسط رفض شعبي عارم لما تضمنه من مواد انتقائية وانتقامية.
- ثالثا: تعهد الرئيس في خطابه بعودة المؤسسات المنتخبة لأداء دورها، الأمر الذي كان يعني عودة 'مجلس الشعب'، وكان ذلك يعني تحديًا واضحًا للحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، التي كان الرئيس قد أقسم أمامها قبل قليل علي احترام الدستور والقانون، كما تعهد باحترام القضاء وأحكامه، وأثني علي المحكمة الدستورية رئيسًا وأعضاء.
- رابعًا: أعلن الرئيس أمام الكافة 'أنه سيكون خادمًا للشعب وراعيًا للدستور والقانون، محافظًا علي أمن البلاد واستقرارها، متعهدًا باستكمال الحفاظ علي استقلال القضاء وبحيث يكون حكم القانون هو الفيصل، وأن يحصل كل مصري ومصرية علي حقه أمام منصة العدالة العليا'.
وهي كلها أمور أكدت الأحداث التالية انقلاب الرئيس عليها وتحصين قراراته في مواجهتها.
بعد أن أنهي الرئيس مرسي خطابه، مضي متجهًا وبرفقته المشير طنطاوي إلي معسكر 'الهايكستب' علي طريق الإسماعيلية الصحراوي، حيث كان كبار الضباط والمسؤولين في انتظاره لحضور مراسم تسليم السلطة إلي رئيس البلاد المنتخب.
في صباح هذا اليوم السبت 30 يونيو، كنت قد تلقيت اتصالاً من أمين عام رئاسة الجمهورية يؤكد فيه عليّ ضرورة حضور مراسم تسليم السلطة إلي الرئيس المنتخب، كان الموعد المحدد للحضور قبل الواحدة ظهرًا، وكان المكان هو معسكر الهايكستب علي طريق مصر - الإسماعيلية الصحراوي.
قبيل الموعد بقليل، كنت قد وصلت إلي هناك، اصطحبني أحد كبار الضباط إلي قاعة كبار الضيوف داخل المعسكر، كان قادة الأفرع الرئيسية وكبار الضباط بوزارتي الدفاع والداخلية وعدد من كبار المسؤولين قد تواجدوا في انتظار الرئيس، طال وقت الانتظار حتي بعد الرابعة مساء.
عندما وصل الرئيس وبرفقته المشير حسين طنطاوي، اتجها علي الفور إلي المنصة الرئيسة، وبعد السلام الجمهوري تحدث المشير حسين طنطاوي مؤكدًا دور الجيش في الحفاظ علي مصر خلال المرحلة الانتقالية، وقبل ذلك في حماية الثورة ثم في إجراء انتخابات نزيهة أثمرت انتخاب رئيس جمهورية ليتسلم السلطة من المجلس العسكري للقوات المسلحة.
وتحدث الرئيس محمد مرسي بكلمة مرتجلة قال فيها: 'إن هذا اليوم سيكون نبراسًا للأجيال القادمة، يرون فيه القوات المسلحة تقف لتقول نعم لإرادة شعب مصر، ويسلمون السلطة فيه بكل ارتياح ورضاء، ليفوا بما عاهدوا الله سبحانه وتعالي هذا الشعب عليه'.
وقال الرئيس مخاطبًا أبناء القوات المسلحة: 'أشهد بالكثير مما لا يعرفه كثير من الناس، لقد كنتم دائمًا عند حسن ظن شعبكم، أشهد بأنكم كنتم دائمًا تقدرون المسؤولية، وأنكم كنتم دائما الرجال الذين يعتمد عليهم رغم صعوبة الطريق ووعورته، أشهد لكم أمام الله وأمام الشعب ما حييت، وبعد ذلك أمام ربي في لقاء نسير إليه جميعا، أنكم تحبون وطنكم، وأنكم تحرصون علي تحقيق مصلحته وأنكم تعلون من شأنه، وأنكم ستكونون في قلبي وتحت نظري'.
وقبيل أن يختتم الرئيس خطابه طلب من رجال القوات المسلحة أن يبقوا في أماكنهم بالداخل وألا يعودوا إلي ثكناتهم في الوقت الراهن، لأن الوطن في حاجة إليهم لحين ترتيب منظومة الأمن.
لقد جاء هذا الكلام مناقضًا لخطاب الرئيس في جامعة القاهرة الذي طالب فيه الجيش بالعودة إلي ثكناته بعد أن أدي دوره بإخلاص.. وكان ذلك مثيرًا للدهشة والاستغراب.
تناولنا الغداء في هذا اليوم، بعد انتهاء العرض العسكري، وقبيل أن يركب الرئيس سيارته ليغادر المعسكر كان المشير طنطاوي والفريق سامي عنان يؤديان له التحية، كانت تلك هي المرة الأولي رغم أن الرئيس لم يكن قائدا أعلي للقوات المسلحة بمقتضي الإعلان الدستوري المكمل، الصادر في 17 يونيو من العام ذاته، وهو أمر كان مثار جدل في الصحافة ووسائل الإعلام.
مضي ركب الرئيس إلي خارج المعسكر، كان المشير يودع ضيوفه، تقدمت نحوه، شعرت بالانكسار داخله، قال لي: 'فُكّها.. كل حاجة حتمشي تمام إن شاء الله'، 'لم أعلق علي كلماته ومضيت بعيدًا وغادرت المعسكر'.
في اليوم التالي، الأحد الأول من يوليو، كان المشير قد اتخذ قراره، لقد قرر أن يتنحي عن السلطة، إنه يشعر بإنه قام بدوره وأوفي بعهده، لقد ظل ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر.
لم يكن المشير راغبًا في السلطة ولا ساعيًا لها، كان قد رفض في وقت سابق عرضًا من الرئيس السابق حسني مبارك يوم 29 يناير لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية، وقد أصر بعد تنحي الرئيس وتولي المجلس العسكري مسؤولية الفترة الانتقالية علي أن يُصدر بيانًا في اليوم التالي للتنحي ليؤكد فيه أن المجلس قرر أن تكون مدة الفترة الانتقالية ستة أشهر فقط تُسَلَّم بعدها السلطة لرئيس مدني منتخب.
كان الكل يعرف العلاقة بين المشير طنطاوي ومدير المخابرات الحربية اللواء عبد الفتاح السيسي، كان يعتبره بمثابة الابن المقرب إليه، كانت لديه ثقة كبيرة فيه، وكان الكثيرون يعرفون أن اللواء السيسي هو وزير الدفاع القادم بلا جدال قبيل تعيينه بفترة طويلة، كانت المعلومة متداولة بين القادة ولم ينفها المشير في أي مرة، بل لقد فوجئت باللواء عباس كامل وهو ضابط كبير بالمخابرات الحربية يتصل بي في اليوم التالي لاتهام الإعلامي د.توفيق عكاشة للواء عبد الفتاح السيسي في هذا الوقت بأنه 'إخواني'، حيث راح هذا الضابط ينفي صحة هذه المعلومة ويقول لي: إن ما أذيع يستهدف قطع الطريق أمام اللواء السيسي لتولي منصب وزير الدفاع الذي يرشحه له المشير طنطاوي.
هكذا كان الأمر متداولا بشكل علني داخل وزارة الدفاع والهيئات والأفرع التابعة لها، بل عندما سألني الإعلامي عمرو أديب في برنامجه القاهرة اليوم علي قناة أوربت قبل بدء الانتخابات الرئاسية عن أكثر الناس حظًا لتولي وزارة الدفاع خلفًا للمشير طنطاوي قلت له دون تردد: 'إن اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية هو أكثر المرشحين حظًا لتولي منصب وزير الدفاع خلفًا للمشير وبترشيح منه'.
كان ذلك ترديدًا للمعلومات التي كانت متداولة لدي القادة داخل وزارة الدفاع، خاصة أن المشير كان دائم التشاور مع اللواء السيسي في كل كبيرة وصغيرة، بل كان يعقد معه جلسات منفردة لسماع رأيه في القضايا المطروحة، كما منحه صلاحيات واسعة في الاتصال مع القوي السياسية والشخصيات العامة لإجراء حوارات معها حول طبيعة المرحلة الانتقالية ورأيهم في القضايا المثارة.
وقد سمعت من الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل أكثر من مرة إشادة باللواء السيسي وعمق ثقافته وانتمائه الوطني والقومي الأصيل.
في أول لقاء لي باللواء عبد الفتاح السيسي في اجتماعات المجلس العسكري مع الأحزاب، قلت له: لقد أحببتك قبل أن أراك من كثرة إشادة الأستاذ هيكل بك وبشخصيتك وقدرتك علي إدارة الحوار والمصداقية التي تتمتع بها.
في هذا اليوم الأول من يوليو أبلغ المشير الرئيس بأنه يرغب في إنهاء خدمته وزيرًا للدفاع ورئيسًا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، بعد أن أدي دوره وسلم السلطة إلي رئيس منتخب.
- يومها سأل الرئيس المشير طنطاوي: ومن سيحل مكانك؟!
- فقال المشير: أنا أرشح لك اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية وزيرًا للدفاع، وهو بمثابة ابني وأنا أثق فيه جدًا.
ساعتها طلب الرئيس من المشير البقاء في منصبه لحين الانتهاء من إعداد الدستور، وبعدها يمكن التفاهم في هذا الأمر، كانت المعارضة شديدة من الرئيس، وأيضًا من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذين طالبوا المشير بالبقاء في موقعه لحين استقرار الأوضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.