الحقيقة الثابتة والتى تأكدت فى الأعم الأغلب أن المؤتمرات التى تعقد من أجل حل قضايا وأزمات المنطقة غالبا ما تأتى فارغة المضمون ولا تسفر عن أى نتائج إيجابية. ولهذا فإن ما يتم التوصل إليه فى النهاية يكون حبرا على ورق بحيث لا يتمخض عنه الجديد الذى يمكن التعويل عليه فى تذليل الأمور وصولا إلى حل ناجع لأى استعصاء. وفى هذا الاطار جاء مؤتمر برلين حول ليبيا والذى عقد فى التاسع عشر من يناير الجارى، وكان بمثابة نموذج للمؤتمرات التى تعقد وتكون مظهرية وواجهة بلا محتوى، فهى فارغة المضمون عديمة القيمة لا سيما مع انعدام وجود آلية لتفعيل البنود التى توصلت إليها. أما البيان الختامى للمؤتمر فلقد تضمن بنودا كان يتعين على الدول المشاركة فيه الالتزام بها. غير أنها بدت وكأنها هباء منثورً، ولا غرابة فتركيا التى شاركت فى المؤتمر وصدقت على ما أوصى به هى نفسها التى زادت الأزمة الليبية تفاقما عندما أرسلت آلاف المرتزقة السوريين للقتال فى ليبيا دعما للسراج ضد الجنرال خليفة حفتر. بل ونقضت ما طالبت به الأممالمتحدة من حظر إرسال السلاح إلى ليبيا حيث إنها دعمت حكومة الوفاق بالمعدات العسكرية. وعليه نتساءل كيف يمكن القول إن الدول المشاركة فى مؤتمر برلين ستكون ملتزمة بتوصيات مؤتمر برلين الداعية إلى الحل السلمى فى ليبيا وتركيا تقوم بتأجيج الوضع وتهييج المواقف؟. فتركيا التى شاركت فى مؤتمر برلين هى التى شرعت فى تدمير ليبيا وإيصالها إلى وضع مأساوى، فالشعب الليبى ليس فى بالها، بل هو أبرز ضحاياها، فكل ما يسيطر عليها هو مشروع الهيمنة الذى تتبناه واقتسام المصالح والثمار. وهكذا تظل تركيا هى العقبة الكأداء التى تحول اليوم دون الوصول إلى حل سياسى للأزمة الليبية، فتركيا بما لها من مطامع فى الثروة الليبية وبسعيها فى البحث عن دور سياسى لتوسيع نفوذها فى المنطقة هى التى تحول دون حل الأزمة الليبية بل تزيدها تفاقما لا سيما منذ أن أججت الوضع فى ليبيا بتوقيعها معاهدة ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق بشكل غير قانونى أدى إلى اندلاع الأزمات بينها وبين دول مثل مصر واليونان وقبرص.أما ما يساعد على بقاء الأزمة على ما هى عليه أن بنود مؤتمر برلين لم تأت صياغتها ملزمة لأى طرف شارك فيه، فضلاً عن عدم وجود آليات تضمن تنفيذ هذه البنود. ولهذا بات يتعين على دول الاتحاد الأوروبى الحد من التدخل التركى وكبح جماح أردوغان الذى يسعى جاهدا لتوسيع نفوذه الاقليمى. وهذا لن يأتى إلا من خلال فرض عقوبات على أنقرة حال عدم تنفيذها ما تم الاتفاق عليه فى مؤتمر برلين بالنسبة لوقف اطلاق النار ونزع سلاح الميليشيات ووقف إرسال مقاتلين سوريين موالين لتركيا إلى طرابلس. وبالتالى يظل الأمر اليوم يعتمد فى الأساس على مجلس الأمن، وإن لم تتخذ خطوات فعلية تدعم ما أسفر عنه مؤتمر برلين من توصيات فستدخل ليبيا فى متاهة حرب أهلية واسعة النطاق وهو ما قد يجعلها عرضة للانقسام الدائم. ومن ثم يتعين وقف أردوغان عن تنفيذ خططه وهو الذى سعى قبل عقد مؤتمر برلين إلى نقل أكثر من ثلاثة آلاف مرتزق سورى إلى ليبيا بهدف فرض أمر واقع على الأرض وتحقيق مكاسب عسكرية. بات يتعين اليوم من أجل حماية ليبيا العمل على وقف التدخلات الخارجية وإنهاء حروب الوكالة التى تهدد ليبيا وتهدر الدم الليبى. ولابد من جمع طرفى النزاع إلى مائدة المفاوضات، وعلى الشعب الليبى وهو الطرف الرئيسى فى المعادلة أن يعمل جاهدا على وقف التدخلات الخارجية التى تسعى إلى إحكام السيطرة عليه وعلى تقرير مصيره.أما مؤتمر برلين فسيتحول إلى فقاعة هواء فيما إذا ظل الوضع فى ليبيا متفاقما، وظل التوجه نحو الحل مستعصيا، وظل الحوار مستحيلا مع انعدام الثقة بين طرفى الصراع، واستمرار أردوغان فى تسليط نوازعه الشريرة على ليبيا دون أن يكبح جماحه.....