الجنون الأردوغانى يمضى قدما في تحركاته الرعناء في ليبيا بدعوى ما جاء على لسانه عندما قال: (تدخل تركيا في ليبيا يأتي للحفاظ على الشرعية؛ حيث إ حفتر ليس قائدا شرعيا فهو يمثل كيانا غير شرعى على عكس حكومة الوفاق التي تتمتع بشرعية دولية). والخوف اليوم أن يبادر الجنون فيتخذ هذا ذريعة للتدخل العسكرى التركى في الصراع الحادث في ليبيا على غرار ما فعله في سوريا عندما منح لنفسه مشروعية التدخل عنوة في الشمال الشرقى في سوريا وفرض سيطرته عليه. اليوم يستهدف ليبيا عبر تنفيذ ما جاء في مذكرة التفاهم التي وقعها مع فائز السراج رئيس حكومة الوفاق في 27 نوفمبر الماضى، والتي لا يمكن للعاقل أن يجعلها مبررا للتدخل العسكرى في ليبيا؛ حيث إن تداعيات هذا ستكون كارثية. تحركات أردوغان تهدف في الأساس إلى إقامة قاعدة عسكرية في طرابلس على غرار القاعدة التركية الموجودة في الدوحة وتلك الموجودة في مقديشيو بحيث تخدم أهدافه الرامية إلى السيطرة على البحر المتوسط. ولا يغيب عن أي فطن بأن هناك هدفا اقتصاديا وراء تحركات أردوغان؛ حيث إن ليبيا تشكل فرصة اقتصادية وتجارية ضخمة للشركات التركية. وعوضا عن ذلك هناك الجانب الأيديولوجى حيث إن حكومة الوفاق ملتحفة بالاخوان خلافا للجنرال حفتر، وبالتالي فإن أردوغان لا يريد أن يخسر اخوان ليبيا لا سيما بعد أن تبددت أحلامه في التعويل على الإخوان في مصر في أعقاب الهزيمة التي حاقت بهم إثر ثورة 30 يونيو المباركة 2013 التي أطاحت بحكم مرسى وفئته الباغية على يد جيش مصر العظيم. ولا بد هنا من استدعاء التطورات التي قد تحدث فيما إذا تم تفعيل مذكرة التفاهم التي وقعت بين أردوغان والسراج، فالبند الأول فيها ينص على إعادة رسم الحدود البحرية في المتوسط بصورة تعطى لتركيا حصة في احتياطات الغاز، أما البند الثانى فيتعلق بالشق الأمني بما يعنى التعاون الاستخبارى بين تركيا وليبيا، واستعداد تركيا لارسال قوات ومعدات عسكرية لليبيا فيما إذا طلبت حكومة الوفاق ذلك. ولهذا يتساءل المرء هل غاب عن أردوغان تداعيات ما قد ينجم عن ذلك؟، فأمر كهذا سيشعل الساحة الليبية بحيث تصبح أسوأ مما وصلت إليه ساحات الصراع في المنطقة كاليمن وسوريا والعراق. كما أن هناك من بتساءل عما يمكن لمصر فعله فيما إذا مضى أردوغان في تنفيذ مخططه الدنىء ودعم حكومة الوفاق عسكريا. هل يمكن أن تتحرك مصر عندئذ فتدعم الجنرال حفتر عسكريا؟ ولكن يظل من المستبعد أن تشارك مصر بقوات عسكرية وبالتالي فإن دعمها للجيش الوطنى الليبي سيقتصر على مده بمعدات عسكرية كالدبابات والمدرعات، وقد تشارك من خلال تسديد ضربات جوية فقط إذا اقتضى الأمر ذلك. ويظل الجنرال حفتر في تحركاته التي تهدف إلى السيطرة على طرابلس، ويسعى المقاتلون معه إلى أخذ ثأرهم من القوات في مصراتة وهى التي أطاحت بالقذافى وقتلته ومثلت بجثمانه. ولهذا لا ينسى هؤلاء ثأرهم من هذه القوات. في الوقت نفسه أعربت روسيا عن قلقها من احتمال ارسال تركيا قوات إلى ليبيا حيث إن هذا سيؤدى إلى تصعيد الصراع بحيث لا يقتصر على ليبيا فقط وإنما سيتعداه إلى دول أخرى. ولهذا بادر أردوغان فكلف وفدا من الخارجية والأمن القومى بزيارة إلى موسكو مؤخرا لبحث الوضع في ليبيا ويأتي هذا بعد أن تحدث أردوغان عن دعم روسى للجنرال حفتر من خلال شركة أمنية روسية تقوم بارسال مقاتلين مرتزقة للقتال إلى جانبه. وحتى الآن يظل الموقف ضبابيا وغير واضح المعالم بالنسبة لما قد تتطور إليه الأمور في ليبيا. بيد أن الوضع سيتغير حتما فيما إذا تدخلت روسيا بالفعل لدعم الجنرال حفتر دعما حقيقيا على غرار الدعم الذى منحته للجيش العربى السورى. ولهذا ما علينا إلا أن ننتظر ما قد تسفر عنه الأيام من تطورات.