إن مصر دائما قبلة كل العرب خاصة وقت الأزمات، ومع تصاعد الأحداث فى سوريا، هرع أهلها فورا إلى مصر، فاستقبلتهم كضيوف أعزاء حتى تزول الغمة، ولم تحصرهم فى مخيمات لاجئين على الحدود، بل استقبلهم المصريون بكل تعاطف وترحاب. فى المقابل لم يكتف السوريون بالبكاء على المحنة التى يمر بها وطنهم، بل كتموا الحسرة والحزن بقلوبهم، وسرعان ما بدأوا فى البحث عن فرص عمل لبناء حياة شريفة مستقرة حتى يكشف الله الغمة عن سوريا. وبمرور الوقت تبين أن السورى لديه قيم متأصلة تقدس العمل الشريف مهما كان متواضعا، مع الإخلاص والتفانى فى أدائه. واستغل السوريون براعتهم فى إعداد الطعام، فاتجه من استطاع منهم لهذا المجال، ومع انتشار المطاعم السورية فى مصر، تيقن الجميع من صحة ما عرف عن المطبخ السورى من تنوع ومذاق متميز، والأهم من ذلك اكتشاف مدى شغف السوريين بالنظافة والأمانة فى العمل والذوق فى التعامل، مما كان له أثر ايجابى على إقبال الزبائن. فى الواقع لقد استطاع السوريون رفع مستوى المطاعم الصغيرة فى مصر، وأثبتوا إمكانية تقديم طعام جيد بسعر مناسب وأسلوب خدمة ومستوى نظافة ممتاز. لكن هذا كالمعتاد أثار ضغائن المتسكعين ممن يرفضون الأعمال البسيطة، ويبررون تعطلهم عن العمل بعدم توافره، فقد كشف السوريون توافر فرص كثيرة بسوق العمل المصرى لا تحتاج أية مؤهلات سوى الإرادة والتصميم والعزيمة والضمير، فما كان من هؤلاء إلا محاولة التنكيل بضيوفنا السوريين، والادعاء أنهم يزاحمون المصريين فى فرص العمل، وحاول البعض استغلال ذلك لإحداث وقيعة بين المصريين والسوريين، لكن الشعب المصرى الواعى الكريم المضياف سرعان ما تنبه لتلك الأهداف الخبيثة، ورفضها بشدة، خاصة أن شعبى مصر وسوريا متقاربان. فالسورى متدين، طيب، مجامل، كريم، مسالم، يحمل بداخله كل القيم والتقاليد الشرقية ويحرص عليها، وكلها سمات تجمعه مع المصري. وتظل مصر هى الحضن الدافئ الآمن لكل عربى فى كل وقت، ففى رخائه هى وجهة للتعليم والثقافة والاستشفاء والسياحة والترفيه والتنزه وقضاء أسعد الأوقات، وفى محنته تحنو عليه وتداوى جروحه وتسانده وتدعمه حتى يتخطى أوقاته الصعبة، ولا غرابة فى ذلك فمصر أم الدنيا.