في أجواء خريفية، وعلى غير المعتاد، اكتشف جمهور الإسكندرية، أنه بالإمكان أحياناً أن تزهر بعض اللقاءات المثمرة في شجرة الحياة السياسية اليانعة على ضفاف عروس البحر، حيث نظم مركز النيل للإعلام، التابع للهيئة العامة للاستعلامات، ندوة ثرية جمعت رموز الصحافة والسياسة والإعلام، حملت عنوان "الإعلام والمجتمع في مواجهة الإرهاب"، جلس على منصتها صفوة الخبراء، في مقدمتهم الكاتب الصحفي طارق اسماعيل، نائب رئيس تحرير الأهرام، والبرلماني طارق السيد، رئيس النادي الأوليمبي، والدكتور إيهاب حمدي، أستاذ الإعلام بجامعة الإسكندرية، والكاتب الصحفي نبيل أبوشال، مدير مكتب المصري اليوم بالإسكندرية. أدارت الحوار، شوقية عبد الوهاب، مدير مركز النيل، مرحبة بالحضور، ووصفت المعارك الدائرة على صفحات التواصل الاجتماعي، بأنها "جيوش خفية" تحارب استقرار الوطن وتحاول بشراسة لزعزعة أمانه، مشيرة إلى نهوض المركز بالمشاركة في الخطة الاستراتيجية الوطنية لتسليط الضوء على الأسلحة المختبئة خلف أصابع "الكي بورد"، من خلال استعرض رؤى وأطروحات المتخصصين والخبراء، على كافة المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية، لتوعية الجمهور. بدأ الدكتور إيهاب حمدي، باستعراض تطور المراحل الزمنية للحروب، والتي بدأت في شكلها التقليدي، بالمواجهات العسكرية في ساحات القتال لإبادة العدو، كوسيلة وحيدة لتحقيق النصر، ثم تطورت خلال الحرب العالمية الثانية، لتتخذ أسلوب "المناورات"باستخدام أسلحة جديدة كالطائرات والمدفعية للقضاء على مراكز الثقل في العدو، حتى اتخذت شكل "الحروب الاستباقية" كمرحلة حروب الجيل الثالث، والتي اتضحت خلال حرب العراق، وتستهدف إضعاف العدو، قبل أن يكون لديه القدرة على المواجهة، ولكنها حروب مكلفة للغاية. وشرح أستاذ إعلام الإسكندرية، أبعاد حروب الجيل الرابع، من واقع النظريات العلمية والكتب السياسية الحديثة، والتي يسعى خلالها طرف لإبادة عدوه، عن طريق "الإلهاء"، و"الإشغال" الكامل للعدو، بشكل يفقده القدرة على اتخاذ القرار، لإسقاط مؤسساته، مشيراً إلى أن مصطلح "إفشال الدولة"، جاء في سياق "حروب اللا عنف"، التي وضع أستاذ العلوم السياسية الأمريكي "جين شارب"، أفكارها ونظرياتها في العديد من الكتب التي لاقت رواجاً "ثورياً تمردياً" في العالم. كما أدهش الدكتور إيهاب حمدي، الحاضرين بشرح الفارق الاستراتيجي، بين نظريتي "أثر الدومينو"، و"أثر الفراشة"، كأساليب مستحدثة لإفشال مؤسسات الدول، والتي طبقتها العديد من حركات التمرد في العالم العربي، منذ 2011، وهي التحرك والهجوم إما بشكل متتالي متتابع لإسقاط المؤسسات تباعاً، ك"الدومينو"، أو الإسقاط العشوائي للفراشة بإحداث إرباك عام واضطرابات على صعيد جبهات متباعدة داخل الدولة لتفكيكها من الداخل، وفرض واقع جديد يخدم مصالح مشتركة تم استحداثها بشكل ممنهج، وعلى رأسها استخدام العمليات الإرهابية، ولو عن طريق منصات إعلامية تبث سمومها الفكرية، عبر الفضاء، من دول معادية، بعد أن كانت في الزمن الماضي، تستخدم قواعد تدريبات مسلحة ثابتة على الأرض، في دلالة قوية على أن المعركة الحالية هي "معركة وعي" بالدرجة الأولى، وهو ما يعني أن الخطر الأعظم الذي يهدد البلاد هو مواقع التواصل الاجتماعي. ومن جانبه، أكد الكاتب الصحفي نبيل أبو شال، أن المجتمع المدني أصبح "الجيش الناعم الوحيد" القادر على مواجهة الإرهاب، في ظل فشل "إعلام الدولة" في ميدان المعركة الدائرة حالياً، نظراً للتطور الهائل في أسلحة الإرهاب فكرياً، واستخدامه "كاميرات الموبايل"، و"أصابع الكي بورد"، في تعظيم أثر الحرب النفسية، مشدداً على أن الإعلام، بصورته الحالية، يساعد الإرهاب في نشر ودعم تأثيره السلبي في نفوس الجماهير، بتضخيم وسرعة نشر العمليات الإرهابية بكل تفاصيلها، من منطلق "السبق الإعلامي"، مما يسهم في ترويجها على أوسع نطاق، مما يصيب المواطنين بالإحباط. وبنبرة خبير واعٍ، ومفكر ينبض خوفاً على مستقبل وطنه، حذر الكاتب الصحفي طارق إسماعيل، من مخططات إسقاط الدولة، والتي تحاول بضراوة أن تستقطب عقول الأجيال الجديدة من الشباب، بتسميم أفكارهم، في ظل غياب دور الإعلام والمؤسسات الرياضية والثقافية والتعليمية عن المشهد، تاركين "أقزام الفكر"، و"مجرمي العصر"، يرتعون على شاشات الفضائيات، ينثرون سموم أفكارهم "السوفسطائية" التي تتلاعب بالعقول الشابة اليافعة، ويتناقلون الشائعات في ثوان معدودة عبر صفحات التواصل الاجتماعي. وشدد نائب رئيس تحرير الأهرام، على أهمية دور المجتمع المدني في مواجهة حروب الجيل الرابع من الإرهاب الممنهج، الذي يتخذ من منصات التواصل الاجتماعي، والسوشيال ميديا، "قواعد إطلاق صواريخ الشائعات"، بشكل ممنهج في ظل أطر المخططات السوداء التي تحاك ضد الوطن. وفي كلمته، أكد النائب طارق السيد، رئيس النادي الأوليمبي، أن هناك "مصالح اقتصادية عالمية كبرى" تقف وراء المخططات الممنهجة لإسقاط الدول، بغرض الاستيلاء على مصادر الطاقة، وثرواتها المدفونة، ومواردها المادية والبشرية، وقال "السيد": "شاءت الأقدار، منذ قديم الأزل، أن تكون مصر قائدة لواء الفكر في الوطن العربي، وكان من الطبيعي أن تأتيها الحروب والأطماع على مدار تاريخها، ولكن الحرب الآن أكثر ضراوة، ومن جهات خفية، متنكرة في صور تكنولوجية حديثة، دعونا نتكاتف سوياً ضد كل من يحاولون أن يثقبوا سفينتنا العظيمة". وفي مداخلة قوية، طالب المستشار أسامة البدرشيني، بضرورة إجراء تعديل تشريعي على قانون مكافحة الإرهاب، ليتضمن كافة أشكال التعدي على الدولة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وملاحقة من يسيء لمؤسسات الدولة قضائياً، باعتبارهم خونة وإرهابيين يستهدفون إسقاط البلاد، عبر أسلحة السوشيال ميديا، ووضع ضوابط ومعايير صارمة لاختيار من يطل على ملايين المشاهدين عبر الفضائيات يتناولون بالتحليل والتنظير أموراً حساسة وحيوية تمس أمن وأمان البلاد، وتنال من استقراره، لمواجهة حروب "تغييب الوعي" التي يمارسها أعداء الوطن. وبناء على رغبة ضيوف منصة الندوة، الساخنة، صعد السياسي المخضرم، الملقب ب"صقر البرلمان"، النائب الأسبق محمد البدرشيني، ليلقي كلمة مؤثرة وهو يعتلي المنصة، وغلبته دموع الوجع، وهو يتحدث عن المؤامرات الفتاكة التي تحاك ضد الوطن، واصفاً الإعلام الحالي بأنه "خذل الوطن"، وعجز عن مواجهة الإرهابيين بأسلحتهم المتعددة عبر السوشيال ميديا، مطالباً المصريين بضرورة التكاتف وفهم الواقع الحالي، وإدراك أبعاد المؤامرة التي تحاك من حولنا، والوقوف ببسالة خلف جيشنا العظيم، الذي كان على مدار العصور التاريخية، رمزاً للوطنية، وحائط صد ضد الغزاة والمعتدين، وكان الجيش الوحيد في العالم الذي يؤسس دولته، في حين أن كل دول العالم كانت تقوم ثم تؤسس جيشها النظامي، وكانت تأدية الخدمة العسكرية، هو المعيار الحقيقي لتحديد الهوية المصرية، بعد انفصال مصر عن الدولة العثمانية.