بدعوة من خادم الحرمين الشريفين السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز، تستضيف المملكة العربية السعودية فى مكةالمكرمة القمتين الطارئتين: العربية، والخليجية فى الثلاثين من مايو الجاري، وذلك على هامش مؤتمر القمة الإسلامية فى الحادى والثلاثين من الشهر نفسه. وقد تحركت قيادة المملكة الرشيدة من واقع مسئوليتها التاريخية ومكانتها الرفيعة ..عربيًا وإقليميًا ودوليًا.. بتوجيه الدعوة لقادة الدول العربية، ودول مجلس التعاون الخليجى لبحث الاعتداءات الإرهابية الأخيرة على محطتىْ نفط بالسعودية، والهجوم على سفن تجارية بالمياه الإقليمية الإماراتية وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة. قرارات حاسمة ومن المأمول أن تكون القرارات التى ستتمخض عن القمم الثلاث المشار إليها من الأهمية بمكان من زاوية اتخاذ موقف حاسم وصلب تجاه إيران يقوم على أن أمن الخليج خط أحمر لا يجب المساس به تحت أى ظرف ومن أى جهة كانت ، وذلك ردًا على تلك الاستفزازات الإيرانية من خلال استمرار إطلاق الصواريخ الحوثية الموالية لإيران إلى الأراضى السعودية، فضلًا عن استهداف مصالح دول خليجية أخرى، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز، إذا لم يسمح لإيران بتصدير نفطها. رؤية ولى العهد لا شك أن تلك الأحداث الأخيرة وما يصاحبها من عقد القمم الثلاث تثبت صحة مواقف صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع فى ضرورة التصدى للإرهاب وداعميه بالمنطقة، والعمل الدؤوب لاستئصال شأفة هذا السرطان المستشرى بالعالم، والذى تقف وراءه دول وأنظمة وأجهزة استخباراتية ومنظمات لها أجندتها الهادفة إلى زعزعة الاستقرار فى العالم، ولا سيما فى منطقتنا العربية التى تعانى من ويلات الإرهاب على مدار السنوات الماضية. وهى الرؤية التى تلتقى مع رؤى الدول الشقيقات الثلاث: مصر، والإمارات، والبحرين. محاور المواجهة مع تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، نرى أن توجه المملكة لمعالجة ملف الإرهاب كان عبر عدة محاور- وهو ما أوضحته تفصيلًا فى الفصل الخامس من كتابى الصادر حديثًا «محمد بن سلمان.. طموح أمة»- وهذه المحاور هي: الأول- التصدى لتمدد النفوذ الإيرانى فى المنطقة حيث تعد دولة الملالى مصدر التهديد الرئيسى لأمن المملكة، وهو ما ظهر جليًا فى كلام قاسم سليمانى المباشر من أن هناك 4 عواصم عربية باتت تحت قبضة طهران (دمشق- بغداد- بيروت- صنعاء)، حيث تعتمد إيران على «الوكلاء» عبر أذرعها المتمثلة فى الجماعات المسلحة المنتشرة فى بقع جغرافية مختلفة (حزب الله اللبناني، وميليشيات الحوثي.. أنموذجين). ومن هذا المنطلق، تضع المملكة أولوية متمثلة فى تشكيل تحالف من دول تجمعها مواجهة السياسات الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار فى المنطقة. الثاني- الوقوف بقوة فى مواجهة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود (داعش .. أنموذجًا)، حيث تعرضت المملكة لأكثر من عملية إرهابية من جانب تنظيم «داعش» ضد قوات الأمن والشيعة لإثارة الفتنة الداخلية وإشعال المواجهات المذهبية. الثالث- مواصلة الجهود فى محاربة الميليشيات المسلحة فى الفناء الخلفى للمملكة، وتحديدًا تهديد جماعة الحوثى الشيعية ذات الطابع المذهبى والطائفى المدعومة من إيران. الرابع- توثيق العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية فى ظل إدارة ترامب على نحو يقود إلى مواجهة التهديدات الرئيسية، وخاصة التصدى لسياسات إيران المزعزعة للاستقرار الإقليمي، وهزيمة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود. مثلث الشر ومن الأشياء اللافتة للنظر، ما جاء فى حوار سمو ولى العهد مع «جيفرى غولدبيرج» على صفحات مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية فى شهر أبريل 2018م (وهو أهم الحوارات التى أجراها سموه على الإطلاق من حيث تحديد أفكاره تجاه ملفات عدة، ولا سيما ملف الإرهاب)حيث انطلق سموه فى الحديث عن ملف الإرهاب من إطلاق تعبير «مثلث الشر»، قاصدًا بذلك مثلث (إيران- الإخوان المسلمون- الجماعات الإرهابية). وقال سموه مفصلًا الأمر: «لدينا النظام الإيرانى الذى يريد نشر فكره المتطرف، الفكر الشيعى المتطرف (ولاية الفقيه).. الجزء الثانى من المثلث هو جماعة الإخوان المسلمين، وهو تنظيمٌ متطرف آخر. وهم يرغبون فى استخدام النظام الديموقراطى من أجل حكم الدول ونشر الخلافة فى الظل - تحت زعامتهم المتطرفة- فى شتى أنحاء المعمورة. ومن ثم سيتحولون إلى إمبراطورية حقيقية متطرفة يحكمها مرشدهم. والجزء الآخر من المثلث يتمثل فى الإرهابيين- تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)- والذين يرغبون فى القيام بكل شيء بالقوة، وإجبار المسلمين والعالم على أن يكونوا تحت حكمهم وأيديولوجيتهم المتطرفة بالقوة». التحالف الإسلامى وكم كان سمو ولى العهد مصيبًا فى ضرورة التحرك لمواجهة الإرهاب حين ترأس بالرياض يوم 26 نوفمبر 2017م اجتماع وزراء دفاع دول التحالف الإسلامى العسكرى لمحاربة الإرهاب (عددهم 41 دولة) حيث أكدوا جميعًا عزم دولهم على تنسيق الجهود وتوحيدها لدرء مخاطر الإرهاب والوقوف ضده، كما شددوا فى ختام اجتماعهم الذى حمل شعار «متحالفون ضد الإرهاب» على أهمية الجهد المشترك والعمل الجماعى المنظم والتخطيط الاستراتيجى الشامل للتعامل مع خطر الإرهاب ووضع حد لمن يسعى لتأجيج الصراعات والطائفية ونشر الفوضى والفتن والقلاقل داخل دولهم. وأكد البيان الختامى للاجتماع أن الإرهاب أصبح يُمثل تحديًا وتهديدًا مُستمرًا ومتناميًا للسلم والأمن والاستقرار الإقليمى والدولي، حيث تخطى حدود الدول وتجاوز جميع القيم وأضحى أشد فتكًا من ذى قبل، ولاسيما فى عالمنا الإسلامى الذى يُعانى من جرائم الإرهاب وما تخلفه من خسائر فادحة فى الأرواح والممتلكات ووأد لأحلام قطاع عريض من المجتمعات التى تعيش بسكينة وسلام. وأخيرًا.. نأمل أن تكون القمم الثلاث المنعقدة فى رحاب مكةالمكرمة عاملًا حاسمًا لمواجهة خطر الإرهاب، لا سيما وهى تنعقد فى شهر رمضان المبارك.. اللهم آمين. ............................................... كاتبة سعودية، ورئيسة تحرير مجلة «مملكة الاقتصاد والأعمال»