فى سياق التطورات الجارية، وفى ظل الوضع السياسى الراهن فى العالم العربى بكل ما يطوقه من أزمات ومتغيرات نتساءل عن وضع العرب دوليًا ومستقبل المنطقة فى ظل قضايا معلقة لم تحل وثورات ربيع عربى جديد اجتاحت الجزائر والسودان، وما طرأ على القضية الفلسطينية من محاولات لتصفيتها. هذا فضلاً عن تداعيات الحروب التى اجتاحت سوريا واليمن وليبيا، بالإضافة إلى التباين بين الأنظمة الخليجية لا سيما مقاطعة قطر من جانب السعودية والإمارات والبحرين والتى تدخل عامها الثانى فى الخامس من يونيو القادم. الصورة فى الأعم الأغلب تبدو مأساوية ولا تبعث على الاطمئنان لا سيما فى منطقة الخليج التى دخلت دائرة الاستعصاء وسط شيطنة إيران وتصوير أمريكا لها كفزاعة فى المحيط العربى وهو ما يخشى معه أن يكون مقدمة لتحول كلى يقود المنطقة بكاملها إلى مصير مجهول. وتزداد المشكلة تفاقمًا حول ما قد تئول إليه الأزمات الحادثة وآثارها وتداعياتها على أطرافها مقرونة بانسداد الأفق أمام الحلول الممكنة وأمام التوقعات المحتملة فى أزمة تجرى إدارتها من أطراف أعدت دراسات وأجرت تشخيصا وتحليلاً واقعيًا يتناول عمق العلاقة العربية الإيرانية بكل تقاطعاتها وتعارض المواقف، والبحث فى مكمن العقدة التى صنعت المواقف الراهنة فى علاقات إيران بالعالم العربى. أما أزمات العالم العربى فكثيرة ومتعددة بحيث لا تترك مجالا للتفكير الصحيح والتمعن والإدراك الكامل لتشعبها وعمقها لا سيما وأن العرب اليوم يواجهون ما يمكن تسميته بعصر المقايضات السياسى الذى فرضه ترامب. ومعه وفى ظله مضى يقايض الفلسطينيين بوجبة اقتصادية مالية مقابل التنازل عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة. وهو ما تمت ترجمته من خلال مشروع ترامب الذى أطلق عليه «صفقة القرن»، والذى بات الإعلان عنه قريبا بعد أن صاغه «جاريد كوشنر» صهر ترامب ومستشار البيت الأبيض. وهو المشروع الذى ربط فيه السلام بالتنمية الاقتصادية والاعتراف بإسرائيل والقبول بمجرد حكم ذاتى للفلسطينيين بعيدا عن دولة مستقلة ذات سيادة. لقد ربحت إسرائيل الجولة كما يحدث فى كل مرة وتم ذلك بدعم لا محدود وبمباركة المأفون ترامب الذى يجسد العار والذى يراهن على الأنظمة العربية وعلى كونها تحتمى بأمريكا ومن ثم يكون من السهل تطويعها للقبول بكل ما يفرضه على المنطقة من مشروعات. الأمر الذى سيدفعها طوعا إلى القبول بشروط الإذعان التى سيمليها بعد أن تصبح فى دائرة العاجز الذى لا يستطيع رفض ما يفرض عليه. وبذلك يكون ترامب قد نسف القواعد القانونية الدولية لا سيما بعد أن اعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ودعم توسع المستوطنات وأوقف الدعم لوكالة الأونروا وبرامج أخرى تساعد الفلسطينيين. بالإضافة إلى غياب كامل ومؤسف حيال الالتزام الواضح لحل الدولتين بعد أن تبنى مشروعا شائها لا يخدم سوى الكيان الصهيوني. وهو المشروع الذى ابتعد فيه عن المبادئ الأساسية للقانون الدولى، وعن مبادئ الاتحاد الأوروبى لحل الصراع والتى جرت المصادقة عليها فى الماضى والتى ترتكز على أن سلامًا دائمًا يستوجب قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل فى حدود الرابع من يونيو 67 وأن تكون القدس عاصمة للدولتين مع ترتيبات أمنية تستجيب لمخاوف الجانبين وتحترم سيادتهما مع حل متفق عليه وعادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. غير أن استدعاء وقائع ما يحدث الآن على أرض الواقع فى ظل الاعتوار الذى تبناه ترامب عن عمد فى معالجته للقضية الفلسطينية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل هى التى ظفرت بالوليمة وضمنت من خلال دعم ترامب بأنها ستظل هى الكيان الذى يهيمن على المنطقة ويتحكم فى مفاصلها وقضاياها.....