مازال القطار وسيلة الانتقال المفضلة لدى، رغم بعض السلبيات التى اعتدتها نتيجة تكرارها، مثل درجة برودة التكييف المبالغ فيها، والبديل إذا استجاب مسئول القطار لشكوى الركاب هو إغلاقه تماما، والوقوف بلا مبرر أحيانا رغم أن القطار مباشر بلا محطات توقف واختفاء المسئول وقت الحاجة إليه. بالرغم من ذلك أجد القطار وسيلة مريحة آمنة وتحمل عبق الماضى وذكريات المشاهد السينمائية الخالدة فى وجدان الجمهور العربى، بالطبع لم تعد القطارات ومحطاتها بتلك الفخامة السابقة لكنها تؤدى الغرض منها. لكن تضايقني بعض السلوكيات التى يصر البعض عليها، هذا الراكب الذي يقضى طوال الرحلة فى التحدث عبر الموبايل بأعلى صوت -كأنه يجلس فى بيته- بلا أى مراعاة لحق الاخرين فى التمتع برحلة هادئة، وهذا الراكب الثرثار الذى لا يكف عن التعرف على من حوله ليتمكن من الحديث المتواصل، والآخر الذى يصر على الاستناد على المسند المشترك (فى حالة الكراسى المزدوجة)، ولا يزجره إلا التنبيه الشديد والنظرة الصارمة. أما الطامة الكبرى فهى وجود أطفال مع ذويهم، وما بالك بالأطفال فى مصر!! ذات يوم جلست خلفى أم مع رضيع، والطفل لم يكف لحظة عن البكاء بل الصراخ الهستيرى لمدة قاربت على الساعتين، مما اثار غيظ الركاب وضيقهم، وبدأ البعض يتأفف ويلقى كلمات ساخطة، خاصة انه قطار الثامنة صباحا، حيث مازلنا فى بداية اليوم، نلتمس بعض التفاؤل، استدرت إليها وكان هذا الحوار(ليه بيعيط؟! مش عارفة، هو على طول كده وما بيسمعش الكلام !! كلام ايه؟ ده بيبى! مادام بيعيط يبقى فيه حاجة واجعاه أو جعان او مش نظيف ومحتاج يغير، عاوز ينام، مش معقول ساعتين عياط متواصل وانتى شايفة ده عادى !!) وكان أسلوبى فى نطق آخر جملة يوحى بنفاذ الصبر، ثم التفت للأمام. وبعد 5دقايق، سكت تماما، ولم أعلم أبدا ذلك السر الذى اكتشفته بعد إبداء استيائى مباشرة وأدى إلى هدوء الطفل وحل المشكلة!! وتأملت الموقف، وقارنت بين الأطفال المصريين وأطفال الاجانب!! حيث أقابل الكثيرين من الأجانب بالمنتجعات السياحية والمناطق الأثرية يصطحبون أطفالهم، ونادرا ما أجد طفلا اجنبيا يثير نفس الضوضاء التي تصدر عن أي طفل مصري!! الطفل لديهم يستمتع بوقته كما يشاء، لكنه يقدس احترام المكان وحقوق الغير، فلا يصدر صوتا عاليا، لا يشاكس صديقه بقذفه بالرمال أو المياه مثلا(اللعبة السخيفة المفضلة لدى أطفالنا بل والشباب ايضا بغض النظر عما تسببه من ازعاج الآخرين)، لا توجد (خناقات) وصراخ وبكاء!! الطفل الأجنبي يسبح، يقرأ، يستمتع بالشمس، يرسم، يلون، يلعب في المكان المخصص للعبة التي يمارسها، يشاهد افلام الكرتون.. بدون ازعاج من حوله، ولهذا تستمتع الاسرة الأجنبية بنزهتها. لكن الأم العربية وخاصة المصرية لا يمكنها الاستجمام، لأن طفلها يقضي أغلب وقته زنانا صارخا باكيا، فتعنفه أمه بصوت مدو في محاولة منها لاسكاته، وقد تضربه لارغامه على السكوت!! وبالطبع ينتج عن سلوكها المزيد من الضوضاء!! ومنهن من تتركه على سجيته بلا أي احترام لحقوق الآخرين في الهدوء!! فما الذي يصنع هذا الفارق الواضح بين أطفالنا وأطفالهم؟! أعتقد ان السر يكمن في أسلوب التربية، وغرس قيمة احترام حقوق الآخرين، مما يجعل الطفل ملتزما في سلوكياته بما يتناسب مع القيم التي نشأ عليها، وكما يقال ان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فما القواعد التي نربي الطفل وفقا لها، لتنمو معه وتصبح نمطا لتعاملاته طوال مسيرة حياته؟!