كم من مرة شاهدت فيلمًا من أفلام العصر الذهبى للسينما، أو تسجيلًا لحفل أم كلثوم، وتساءلت: أين ذهب هذا الجمهور المتأنق: السيدات بفساتينهن الأنثوية الأنيقة، والرجال بالبدل الكلاسيكية ورابطة العنق؟!! ذلك الشكل الجمالى الذى تفتقده العين فى عصرنا الحالى، بسبب رضوخ حرائر مصر لضغوط وتقاليد تجبرهن على ارتداء نمط معين من الملابس، وامتثال أخريات لمتطلبات العصر السريع والواقع المرير الذى يجعلهن يصارعن فى الطرقات للسير بشكل آمن دون التعرض للتحرش اللفظى والجسدى، أو للفوز بركوب وسيلة مواصلات ملائمة دون امتهان، وتعارض الفستان- وما يستلزمه من تأنٍ أثناء التحرك- مع أسلوب الجرى والسباق مع الوقت للحاق بمواعيد العمل أو توصيل الأطفال للمدارس، بالإضافة إلى الحاجة للتوفير مما جعل (البنطلون) الذى يمنح مظهرًا متجددًا بمجرد تغيير (البلوز) أو (الجاكيت) خيارًا عمليًا مريحًا وموفرًا. لقد أجبرت نساء مصر على التخلى عن مظاهر أنوثتهن ليحاربن ظروف الحياة بعد أن كانت السيدة المصرية تفتخر بأنوثتها وتختار ما يناسبها، وفى الوقت ذاته اضطر الرجال أيضًا للابتعاد عن ارتداء (البدلة) واختيار ملابس أقل تكلفة وأكثر ملاءمة لخوض صراع الحياة اليومية لتوفير لقمة العيش. ورغم ذلك مازالت الفرصة سانحة للتمتع بتلك الأناقة من خلال حفلات الاوبرا المصرية التى تحملك معها إلى عالم من السمو والأصالة. إن قلعة الفن الراقى- الدرع الواقية لثقافة الشعب المصرى وهويته، والسيف البتار ضد كل ما هو مبتذل - مازالت تحافظ على قواعد الدخول إليها، فالحضور بالملابس الرسمية، ولا يسمح بدخول الأطفال أقل من 7 سنوات باستثناء الحفلات المخصصة للأطفال.. وتنتابنى الدهشة حينما أرى محاولات البعض للتحايل على تلك القواعد المعمول بها فى كل دور الأوبرا بالعالم، وبدلًا من انتهاز الفرصة لتجربة الحياة داخل مشهد من مشاهد الزمن الجميل، أرى أحدهم متذمرا، وآخر رافضًا ومهددا (هأعدى من الباب، واقلع الجاكيت والكرافت جوه)، وثالث ساخرا: (كرافت.. أنا ناقص خنقة)!! وهذه تعترض لأنها لا تستطيع ترك طفلتها الرضيعة لحضور الحفل ولابد من اصطحابها!! وأخرى تدافع أن (ابنها سنتين بس شاطر ومؤدب ومش بيعمل دوشة)، وثالثة تؤكد أن (بنتها 3 سنين لكن عاقلة وهادية جدا)!! وفى النهاية يرضخ الجميع حينما يكتشفون أن جواز العبور إلى قلعة الفن لا يسمح بأى استثناء. وبمجرد الدخول يدركون قيمة تلك القواعد الصارمة التى يعتقد البعض خطأ أنها تعنت، فاحترام التقاليد الأوبرالية العريقة يضفى على الجمهور مظهرًا أنيقًا متميزًا، ويخلق لديه حالة شعورية تلقى بظلالها على وجوه الحاضرين، وتنعكس على سلوكياتهم وتعاملاتهم خلال الحفل فتجعلهم أكثر رقيًا وتحضرًا وتذوقًا للفن الجميل. وكم نحن فى حاجة إلى التطبيق الصارم للقواعد للارتقاء بالذوق العام والتغلب على سلوكيات التحايل و(الفهلوة) التى يعتنقها البعض.