انتشر فى الآونة الأخيرة مصطلح التنمر، وأصبح محل اهتمام العديد من الأفراد والجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدنى. والتنمر Bullying له تعريفات متنوعة فهو يعنى استخدام القوة أو القسر أو التهديد للإساءة أو تخويف الآخرين. وهو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف (في الغالب جسديا) على نحو متكرر. ويعرف أيضا بأنه شكل من أشكال المضايقات التي يرتكبها المسيء الذي يمتلك قوة بدنية أو اجتماعية وهيمنة أكثر من الضحية أو الهدف، وقد يكون التنمر لفظيا وجسديا أو نفسيا. وقدمت منظمة اليونسيف (منظمة الأممالمتحدة للطفولة) United Nations Children's Emergency Fund تعريفا للتنمر بأنه أحد أشكال العنف الذى يمارسه طفل او مجموعة من الاطفال ضد طفل آخر بهدف ازعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة. وأشارت المنظمة إلى أن المضايقات أو الاغاظة إذا تمت بطريقة تتسم بالدعابة والود المتبادل بين الطرفين قد تكون مقبولة، لكن عندما يكون الكلام جارحًا ومقصودًا ومتكررًا، بحيث يتخطى الخط الفاصل بين المزاح والمضايقات المتعمدة فهنا يسمى ب التنمر، وبناءً عليه، فهناك ثلاثة معايير تجعل التنمر مختلفًا عن غيره من السلوكيات والممارسات السلبية، وهي التعمد والتكرار واختلال القوة، والتنمر قد يكون بدنيا أو لفظيا أو اجتماعيا (تجاهل-اهمال-شائعات) أو نفسيا أو إلكترونيا. ويرى المسئولون باليونسيف أن التنمر ليس ظاهرة جديدة لكن الوعى به وبأضراره قد زاد مؤخرا بشكل ملحوظ، وقد أخذت المنظمة بمصر على عاتقها مهمة القضاء على تلك الظاهرة، وأطلقت حملة (أنا ضد التنمر) بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمجلس القومي للطفولة والأمومة للتوعية بأخطار التنمر وتأثيراته السلبية على طلاب المدارس ودور المعلم وولى الأمر فى التصدى لتلك الظاهرة، كما دعت للاتصال بالخط الساخن (نجدة الطفل) فى حالة التعرض للتنمر. وبالنظر إلى وقائع الحياة سنجد أن التنمر لا يقتصر على أطفال المدارس بل ينتشر فى أماكن العمل والنوادى .. وكل التجمعات البشرية بل والسوشيال ميديا أيضا!! فاضطهاد موظف فى مكان عمله وتحقيره والسخرية منه هو تنمر!! وتلك الفتاة التى تتعرض للتهميش والتجاهل والنظرات المؤذية من زميلاتها متنمر عليها!! والعامل الذى يتعرض للضغط والتهديد ممن هم أعلى منه وظيفيا، والصبى الذى يتعرض له قرناؤه بالضرب والأذى الجسدى، ومن يتعرض لإشاعات مسيئة ومؤذية، ومن يتم ابتزازه عبر رسائل الكترونية ...الخ كل هؤلاء ضحايا للتنمر!! وللأسف أصبحت السوشيال ميديا وسيلة من وسائل التنمر، فالتشهير والسخرية والتقليل من شأن شخص ما هو صورة واضحة للتنمر. ولعل ما حدث منذ أيام بعد افتتاح مهرجان الجونة السينمائى - رغم تحفظاتى العديدة تجاه المهرجان وشرعيته الثقافية وممارسات الحضور – يعد تنمرا متعمدا!! لقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحة قتل معنوى لكل من حضر حفل الافتتاح!! فمن المعتاد فى كل مهرجان فنى أن يهتم الإعلام والجمهور ب (طلة) أهل الفن، والتعليق عليها سلبا أو ايجابا، بل ظهرت منذ سنوات جماعة تسمى (شرطة الموضة) وتضم مجموعة من المتخصصين فى الملابس والاكسسوارات وغيرها لتقييم مظهر كل فنان او فنانة شارك فى الحدث الفنى. لكن ما حدث لم يكن نقدا بل تعدى كل الحدود المقبولة وأصبح تنمرا واضحا. انتقادات ساخرة بكلمات قبيحة مؤذية وتحقير متعمد وإساءة بالغة، هذه كبيرة السن، وأخرى دميمة الملامح، وثالثة فقيرة الامكانيات!! هذه تم طلاقها، وتلك خطبت فى أرذل العمر، وغيرها مرافقة لفنان لا يتزوجها، وأخرى انحسرت عنها الأضواء، وتلك خضعت للتجميل من شد وحقن وسيليكون!! هذا متصابى، وهذا سئ السمعة، وغيره سلوكه يتسم بالهمجية والابتذال، وآخر مزواج، وهذا ديوث يباهى بالآخرين بمفاتن رفيقته، وهذا نجم لا يحضر إلا طمعا فيما يدفعه ساويرس!! وسواء كانت التعليقات صحيحة أو غير ذلك فإنها مجرد آراء شخصية، لكنها حملت كما هائلا من الألفاظ المسيئة المهينة غير اللائقة والغير مقبولة على الاطلاق!! ولم يهتم أحد بالأفلام المعروضة فى مهرجان أقيم من أجل السينما!! ولم يحاول أحد التعرف على عروض المهرجان وأنشطته وندواته وتقييمها، وانصب كل الاهتمام على مظهر السائرين على (الريد كاربت) ومسلكهم الاستعراضي أمام الكاميرات!! وللأسف .. بدعوى الحرية والتعبير عن الرأى قتلت الكلمة الطيبة واغتيل النقد الراقى البناء، وارتدى التنمر ثوب الصراحة!!