تعد مغالطة تعميم الأحكام أو التعميم المتسرع Hasty Generalization واحدة من المغالطات المنطقية التي ترتكبها كثير من وسائل الإعلام بحق جماهيرها بشكل متكرر سواء عن قصد في أغلب الأحيان أو دون قصد في بعضها، وتعميم الأحكام هو أن تصف مجموعة من البشر بحكم واحد، مثال: كل مسلم إرهابي، كل يهودي معاد للعرب، كل معارض خائن لوطنه، كل رجل أعمال انتهازي، كل إعلامي كاذب، كل زوج مخادع، كل سياسي منافق وهكذا. تأسيساً على هذه المغالطة يدعو البعض للقطيعة مع الغرب ككل بحجة أنهم يعادوا الإسلام، وبالقطع هو تعميم خاطئ فليس معنى أن منهم من يعادي الإسلام أن كلهم هكذا. وفي الإعلام الموجه يتم على سبيل المثال تقديم تقارير إعلامية تنتقي أشخاصًا تؤيد قراراً ما ومن ثم الحديث عن أنها تمثل الشعب. مثال: يقول الإعلامي: "أشاد رجال الأعمال بقرارات الإصلاح الاقتصادي الأخيرة والتي من شأنها إتباع اقتصاديات السوق، فهي إذن قرارات جيدة"، فالحقيقة أن العينة هنا وكما طرحها الإعلامي من مستوى واحد وفئة اجتماعية واحدة فهي لا تُعبِّر عن الشعب في عمومه وفئاته المختلفة، كما أن القرار هو في صالح رجال الأعمال لذلك فقد أشادوا به، وفي المقابل إذا تم استفتاء عدد من الفقراء ومتوسطي الدخل وهم الغالبية العظمى فسوف يرفضون تلك القرارات لأنها أضرتهم ضررًا بالغًا. مثال آخر: قناة فضائية ذات توجهات أيديولوجية معارضة تنتقي فئة من الشعب لتشن هجومهًا على النظام القائم وأنها تعيش تحت سلطته في بؤس وشقاء ومن ثم يتم الترويج لذلك عبر تعميمه بأن كل المواطنين هكذا، فقد تم توظيف تلك المغالطة لخدمة أيديولوجية القائمين على تلك الوسيلة الإعلامية. وفي رأينا أن التعميم المتسرع هو تعبير عن كسل عقلي في بعض الأحيان، وعن تضليل مُتعمد في أحيان أخرى. إن رجل الدين الذي يقوم بتعميم الدعاء في صلاته أو خطبته بقوله:"اللهم أهلك الكفار، اللهم أبد اليهود"، هو في الواقع يرتكب تلك المغالطة، فالإسلام علمنا أن هناك الكافر العدو والكافر غير العدو، وكذلك الحال بالنسبة لليهود إذ ينقسمون إلى: اليهود الصهاينة الذين يرتكبون الجرائم بحق الفلسطينيين، وهناك يهود رافضين للصهيونية مثل حركة ناطوري كارتا التي تتبنى كثير من المطالب والحقوق العربية، فمشكلتي إذن مع الصهيونية كحركة استعمارية تتبنى العنف منهجًا وليس مع اليهودية كديانة، أي مع من يعتدي علينا وليس مع غير المسلمين ككل. والتعميم المتسرع يسميه البعض القفز المباشر إلى النتيجة لحسم الموضوع دون تفكير عميق أو بحث وتقصي جاد، ومن ثم ففكرة التعميم وكما يذهب البعض تحظى قبولاً واسعاً عند فئة كبيرة من الناس وذلك لأنها لا تتطلب عناءً في التفكير. ومن دون شك فتعميم الأحكام من شأنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية، ففي العالم الإسلامي ساهم مع غيره من الأسباب في تفكيك المسلمين واندلاع الصراعات وبث الانقسام، إذ رأينا كيف تم توظيف التعميم في إفساد العلاقة بين السنة الشيعة بذريعة أن ( كلهم منحرفون)، فيتم الإتيان بالشاذ لديهم والترويج له باعتباره القاعدة، ففئة قليلة من الشيعة تُؤله علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه أو تنزله منزلة النبوة فيتم الترويج لذلك باعتبار أن كل الشيعة كذلك ومن ثم فهم خارج الدين، وفئة لا تُذكر من السنة تتبرك بالأضرحة ومن ثم يروج بعض الشيعة لأن كل السنة كذلك وأن عقيدتهم فاسدة، وبالقطع يتم هذا كله عبر التوظيف السياسي للدين واستغلال المجموعة الحاكمة له تأسيسًا على تلك المغالطة، مغالطة التعميم، إذ يجري تعميم الأحكام قياسًا على الشاذ. كما أنتجت هذه المغالطة ظاهرة الإسلاموفوبيا والتي زادت بعد أحداث 11 سبتمبر، إذ أصبح كل مسلم هو بالضرورة إرهابي، ويرى كثيرون أن الخطاب السياسي لليمين المتطرف في الغرب من شأنه أن يفاقم من تلك الظاهرة. وبالقطع فالإعلام الغربي يلعب دور البطل في تعزيز هذه الظاهرة، فلقد أجريت دراسة حديثة على عناوين صحيفة النيويورك تايمز التي بلغت 2.6 مليون عنوان في الفترة ما بين عامي 1990 إلى 2014م، وجد أن أعلى نسبة للعناوين التي تحمل صورة سلبية كانت من نصيب كلمة (الإسلام) بنسبة 57%. تقول إستير بنباسا:"الإسلام هو الهوس في القرن الواحد والعشرين شأن اليهودية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين"، وكذلك يضيف آخر"ما نأخذه اليوم على المسلمين هو ما كنا نأخذه سابقًا على اليهود هم لا يستطيعون أو لا يريدون الاندماج يشكلون تهديدًا لهويتنا ولأمتنا". ومن ثم أعلن الغرب الحرب على الإرهاب فقتلوا مئات الألوف من الأبرياء، وهم لا يُعدمون المبررات التي تسوغ ذلك الفعل، فالأطروحة التأسيسية لديهم تقول:"طالما نحن الذين نقوم به فهو لا يُعد إرهابا"، فهي سياسة الكيل بمكيالين ونسبية المصطلحات في هذا العالم وعدم عدالتها، ولعلها تذكرنا بالمروية القديمة التي أوردها ناعوم تشاومسكي في أحد مؤلفاته وتقول: وقع قرصان في أسر لاسكندر الأكبر فسأله لاسكندر: كيف تجرؤ على إزعاج البحر والمسافرين عبره ؟ فأجاب القرصان: أنا أفعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب وأدعى لصًا، وأنت تفعله بأسطول ضخم وتدعى إمبراطورا!! ولعل أشهر من تصدوا لهذا التعميم المتسرع والتشويه المتعمد للإسلام هو المفكر الكبير إدوارد سعيد إذ حاول سعيد فضح آليات الإعلام الغربي التي تعمل جاهدة على تخليق صورة نمطية سيئة للإسلام، ليكون الإسلام هو العدو الأول للغرب، مؤكدًا أنه عبر تلك الحملة الإعلامية الشرسة أصبح العربي في نظر الغرب"إما برميل بترول أو إرهابي محتمل". وبالعودة لمغالطة التعميم المتسرع فكثير من رجال ومفكري النهضة الأوروبية قد هاجموا الدين بناءً على تجربتهم مع دين الكنيسة ومصادرتها للحريات في العصور الوسطى ومن ثم عمموها على الدين ككل، من هنا استشرت التيارات الإلحادية المعادية للدين في عمومه وتعمقت بشكل كبير في الوجدان الأوروبي. وفي عالمنا الإسلامي نجد كثير من المنصات الإعلامية وبخاصة التابعة منها للتيارات المتشددة من يدعو إلى نفي وإقصاء الآخر كل الآخر والقطيعة معه، والتحذير من هذا الآخر باعتباره عدو الماضي، ومن ثم يجب النظر إليه على أنه عدو اليوم فهو حكم عام تم إصداره بشكل متسرع ومن ثم فهو أحد تجليات تلك المغالطة على الواقع.