في قضية الحكم علي الرئيس السابق حسني مبارك وآخرين، سؤال مهم، لا يجب القفز عليه، أو تنحيته جانبًا والتغاضي عنه، إنه السؤال الذي أصبح مطروحًا لأول مرة بشكل علني في أعقاب الجلسة التاريخية لمحكمة جنايات شمال القاهرة التي أصدرت وبعد القراءات والغوص في أوراق الدعوي التي تشهدونها أحكامها في قضية القرن. السؤال هو: إذا كانت المحكمة قد برأت المتهمين الأساسيين في قضية قتل وإصابة الثوار يوم 28 يناير، فمن الذي قتلهم،؟ لقد قالت المحكمة في معرض تبرئتها لعدد من مساعدي وزير الداخلية الأسبق من تهمة قتل واصابة المتظاهرين: 'إن المحكمة بعد أن استمعت إلي شهود في هذه القاعة، جميعًا، وقد بلغت ما يقرب من 60 ألف صفحة بكل دقة وكل عناية ارتأت المحكمة بناء علي كل ذلك أنه إذا لم يتم ضبط جميع مرتكبي جرائم القتل والشروع فيه أثناء الأحداث أو حتي بعدها فلا يوجد قطع أو يقين في اتهام هؤلاء'!! وقالت المحكمة: 'لقد خلت أوراق التداعي وما قدم فيها من مضبوطات فحصتها المحكمة فحصًا دقيقًا من أدلة مادية، عتاد وذخائر تطمئن لها المحكمة، ويمكن الاستناد إليها، كما خلت أوراق الدعوي وما قدم من مستندات من تسجيلات صوتية كانت أو مرئية ذات مأخذ شرعي وقانوني تطمئن له المحكمة، وخلت أيضًا من ضبط أي اتصالات سلكية أو لاسلكية تعتمد عليها المحكمة في الإدانة. وأكدت المحكمة في حيثياتها أيضًا 'أنها لا تطمئن إلي ما تم إثباته في دفاتر مخازن الأسلحة بقطاع الأمن المركزي المقدم في الدعوي وتطرحها لما يساورها من شك بشأنها، كما خلت أوراق التداعي من مستندات أو معلومات كدليل جازم قاطع يثبت للمحكمة بما تطمئن إليه من ارتكاب أي من المتهمين الواقعة، وان ما نسب إليهم بالاشتراك عن فعل الامتناع لم يتوفر للمتهمين الأخرين، وعلي ذلك قضت لهم بالبراءة'. هذا هو فقط الجزء الذي كشف النقاب عنه من حيثيات الحكم الصادر بحق الرئيس السابق حسني مبارك وآخرين في قضية قتل واصابة الآلاف من المتظاهرين، ومن المؤكد أن هناك تفصيلات عديدة سوف تتكشف مع الإعلان عن الحيثيات الكاملة للحكم. لقد انكر كل من وزير الداخلية الأسبق محمود وجدي ووزير الداخلية السابق منصور العيسوي أن يكون ضباط وجنود وزارة الداخلية يمتلكون أسلحة بالليزر، وهي الأسلحة التي قتل بها المتظاهرون من أعلي أسطح عمارات ميدان التحرير، وهذا الأمر بقدر ما يثير العديد من علامات الاستفهام بقدر ما يشير أيضًا إلي احتمال قيام عناصر أخري بارتكاب جرائم القتل ضد المتظاهرين. ان المطلوب هو تحقيق محايد حول حقيقة ووقائع ما جري في هذا اليوم تحديدًا، وهي مهمة يجب أن تقوم بها لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب منذ أكثر من أربعة أشهر، ولم تعقد سوي اجتماعات محدودة حتي الآن. إن هذه المهمة سوف تكشف النقاب عن هوية القتلة الذين قتلوا أبناءنا من فوق أسطح العمارات بميدان التحرير وربما في غيرها من الأماكن خاصة بعد انهيار الشرطة في الثامن والعشرين من يناير. إن من أبرز من يتوجب الاستماع إلي شهادتهم في هذا التحقيق هم من أدلوا بمعلومات مهمة في تلك الفترة من داخل الميدان وساكني العمارات، وأصحاب المكاتب هناك شهادات عديدة يمكن الاستماع إليها وتوثيقها عن وقائع ما جري وتحديدًا يومي 28 يناير و2 فبراير تاريخ موقعة الجمل. إن السكوت علي هذه الوقائع، يعني أن هناك محاولة للقفز علي الحقائق والتفريط في دماء الشهداء والتسامح مع من قتلوا الثوار واقتحموا السجون وافرجوا عن الآلاف ليعيثوا فسادًا في الأرض بعد أن اجبروهم علي الخروج من زنازينهم ليساعدوا في نشر الفوضي واسقاط الدولة. وهذه العناصر هي ذاتها التي حرضت علي اقتحام أقسام الشرطة وإحراقها وتسببوا بذلك في مقتل العديد من الشباب والمواطنين ورجال الأمن، وكل ذلك بهدف تقويض ما تبقي من المؤسسة الأمنية والاجهاز عليها. لقد جاء الحكم القضائي الأخير ليصيب الملايين من المصريين بالصدمة من أول وهلة، غير أن الأمر يجب ألا يصل إلي حد التشكيك في قضاء مصر. وإذا كانت الأدلة المقدمة لم تكن كافية للكشف عن هوية القتلة والمجرمين، فإن ذلك ليس معناه نهاية المطاف، فهذا الملف يجب ألا يغلق إلا بتقديم القتلة إلي العدالة والثأر منهم لدماء الشهداء الأبرار الذين سقطوا في ميادين النضال والكفاح من أجل مصر الثورة، مصر الحرية، مصر العدالة الاجتماعية. غير أن ما يجب التحذير منه، هو استغلال ما جري، لنشر الفوضي في البلاد وتعطيل المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فكل ذلك بالقطع لن يكون في صالح الناس ولا في صالح الثورة، بل هو تقويض للأهداف النبيلة التي استشهد من أجلها الثوار الذين ضحوا بأغلي ما يملكون. إن مصر تتطلب منا جميعًا في هذا الوقت تحديدًا، وقفة قوية، تتوحد فيها كل القوي وكل الجهود من أجل أن نعبر سويًا هذه الأزمات المتلاحقة، نحو تحقيق الأمن والاستقرار والمضي قدمًا في تحقيق أهداف الثورة. تذكروا أن العدو الإسرائيلي ينتظر اللحظة، ولا تتناسوا أن واشنطن لديها مخططها المعلن 'الشرق الأوسط الجديد' واحذروا من هؤلاء الذين يريدون سرقة الثورة والعودة بنا إلي زمن الهيمنة والسيطرة والاحتكار!! إن دماء الشهداء أبدًا لن تذهب سدي.. لقد قدموا أرواحهم فداء لمصر العظيمة، ولا يجب أبدا الصمت علي ضياع حقوقهم، مهما طال الزمان.