فى تلك الفترة من كل عام تبدأ فى الظهور بشائر الفالنتاين الذى يحتفل به العالم بأكمله فى الرابع عشر من فبراير ، وتمتد جذور هذا الاحتفال الى نهاية القرن الثالث ألميلادى تقريبا ، حينما اصدر الامبراطور الرومانى فرمانا يمنع الزواج لما لاحظه من تكاسل الرجال المتزوجين وعزوفهم عن الذهاب للحرب التى كانت فى ذروة اشتعالها فى ذلك الوقت ، ولكن القس فالانتاين Saint Valentin رفض ذلك ، وسعى إلى تزويج المتحابين سرا رغما عن أنف الامبراطور ، وتم اعدامه - بعداكتشاف أمره - فى 14 فبراير عام 270م تقريبا ، وتروى حكايات أخرى عن سبب الاحتفال لكن تظل هذه الرواية هى الأشهر عن عيد العشاق . (وهذا يختلف عن عيد الحب المصرى 4 نوفمبر الذى دعا إليه على أمين عام 1988 ) . وتتمثل مظاهر الاحتفال فى سيطرة اللون الأحمر على كل شئ ، الورود والدمى والألعاب والملابس والديكورات والمفروشات .... الخ ويبدأ الأحبة فى التفكير بكيفية الاحتفال والبحث عن الهدايا التى يرغبون بتبادلها ، وفى هذه الأجواء يظهر التساؤل المعتاد - ولا إجابة له - ما العلاقة بين (الدبدوب) والحب؟! ومن الذى جعل دمية الدبدوبة رمزا للرومانسية؟! من الذى قدم هذه الفكرة للعالم لتتوارثها الأجيال المتعاقبة ؟!! ومن الملاحظ أن الأصغر سنا هم الأكثر اهتماما بهذا اليوم - ربما لأن مازالت لديهم مساحة كبيرة من النقاء والتفاؤل بالمستقبل ولم يخوضوا معترك الحياة وتقلباتها بعد - ما أجمل مشهد طلاب وطالبات المدارس والجامعات وهم يحملون الهدايا والورود الحمراء تعبيرا عن مشاعر بريئة قد تكون طفولية أو ساذجة لكنها حقيقية فى لحظتها هذه بل وربما يعتقدون إنها دائمة ، انه مشهد يوحى بالأمل رغم اعتراض البعض بحجة ان المجتمع الشرقى لا تناسبه تلك الأمور . وبالطبع تختلف الهدايا باختلاف نوع الارتباط ، فغالبا بعد الزواج يكون التفكير أكثر واقعية وارتباطا بالحاجة الفعلية للهدية المقدمة ، أتذكر صديقة لى قررت فى أول عيد حب بعد زواجها ان تقدم لزوجها مجموعة من الجوارب لاحتياجه الشديد لها !! ، وأخرى تتخذ من الطعام الذى يفضله زوجها وسيلة للتعبير عن حبها وتبدع فى طهيه وتقديمه كهدية فى عيد الحب ، وهكذا تختلف طرق الاحتفال ونوعيته حسب نمط العلاقة لكن تبقى فكرة الاحتفال قائمة فى أذهان المحبين . ورغم كل هذه المظاهر إلا أننى أشعر باختلاف قيمة الحب فى ظل ظروف الحياة السريعة الصاخبة الطاحنة ، لقد غرق الاحساس وسط دوامات البحث عن لقمة العيش ومشاكل الحياة وصراعاتها . ربما لم تعرف احتفالات الحب فى مصر إلا من حوالى 30 سنة مضت ، إلا أن برديات قدماء المصريين قد وصلت إلينا مدونة أجمل قصص وقصائد حب ، كما أن جدران المعابد مازالت تحمل العديد من الرسومات الموضحة لمظاهر الحب كالعناق وغيره ، مما يدل على اهتمامهم بالحب ، وإنه احتل مكانة مميزة فى حياتهم ، ونال الاهتمام الجدير به ، كذلك كان احساس الحب ظاهرا وطاغيا بقوة فى الحقبة المسماة ب (الزمن الجميل ) ، فهل هناك مظاهر للحب والرومانسية أوضح من قصائد نزار ورامى وأغنيات ثومة وحليم وفريد ؟! وروائع السينما المصرية التى نقلت إلينا أعظم قصص الحب ؟! والغريب أن الحب كان أجمل فى زمن الأبيض والأسود !! كانت الصورة لا تظهر القلوب والورود إلا بألوان بيضاء وسوداء ورمادية لكنها رغم ذلك حملت أجمل الاحاسيس والمشاعر النقية الوفية المخلصة الحقيقية !! وللأسف فور ظهور السينما الملونة اختفت الرومانسية ، واندثر الرقى ، وتدهورت العلاقات الإنسانية !! لقد تركت لنا سينما الابيض والأسود تراثا رومانسيا راقيا فماذا ستترك السينما الحالية لأجيالنا القادمة إلا صور شهوانية مبتذلة سوقية ؟!! إن الحب فى رأيى لا يعنى فقط الرومانسية بين رجل وامرأة ، وانما يمتد ليشمل كل المشاعر الجميلة تجاه البشر والكائنات الأخرى والأشياء والمعانى .. حب الأم ، الأب ، الأخ ، الأخت ، الصديق ، الأهل والأصحاب والجيران ، حب القطط والطيور ، حب البحر والسماء ، حب الدين والمقدسات ، حب الخير والجمال والعدالة والحق ، حب النجاح والهوايات والعمل والوطن ... الخ ان الحب بمعناه الشامل يحمل فى طياته كافة معانى الاهتمام ، الوفاء ، الاخلاص ، الأمان ، الصدق ، التفانى فى إسعاد الأخر والحرص عليه والخوف من فقدانه ، التضحية ... باختصار الحب هو الحياة . وتخصيص يوم للاحتفال بالحب ليس معناه اقتصاره على ذلك اليوم ، فالحب - ان وجد - يفصح عن نفسه فى كل وقت بنظرة ، ابتسامة ، سلوك ..... العيد هو فقط محاولة للتعبير عن الحب بأسلوب احتفالى لإدخال السرور على القلوب . أنا لا أحتاج عيدا للحب ، فكل أيام حياتى هى عيد حب طالما أن أحبائى معى ويغمروننى باهتمامهم الصادق ، لكنى رغم ذلك لا أمانع فى يوم خاص يضفى مزيدا من البهجة على حياتنا . كل عام والحب يسعدنا جميعا ، كل عام ومصر الحبيبة بخير وسلام وأمان .