تحيي منظمة المم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) غدا /الاثنين/ اليوم العالمي للغة العربية 2017، وذلك تحت شعار (اللغة العربية والعالم الرقمي)، حيث يهدف الاحتفال إلي الإشارة إلي الأهمية التي باتت تحتلها اللغة العربية في العالم الافتراضي، ممثلا في أجهزة وبرمجيات الحاسوب والإنترنت، والتي طرأ عليها تطور كبير زالت معه العقبات التي كانت تحول دون تطويع اللغة العربية للاستخدام الرقمي. وأصبحت اللغة العربية تحتل حاليا المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية بين اللغات الأكثر استخداما على شبكة الإنترنت.. والمرتبة الثانية بين أكثر اللغات نموا.. والتاسعة بين أكثرها استخداما على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك). وفي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأممالمتحدة، اعتمدت إدارة الأممالمتحدة لشؤون الإعلام قرارا عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم، والذي يحتفل به في 21 فبراير من كل عام بناء على مبادرة من اليونسكو للاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة.. وتقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة رقم 3190 (د-28) في 18 ديسمبر عام 1973، وقررت الجمعية العامة بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأممالمتحدة. وقالت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي "إن اللغة العربية تعد ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم، إذ يتكلمها يوميا ما يزيد على 290 مليون نسمة من سكان المعمورة.. ولقد أبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر (الهندسة، الشعر، الفلسفة، والغناء)". وأضافت "اللغة العربية تتيح الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، منوهة بأن تاريخ اللغة العربية يزخر بالشواهد التي تبين الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزا إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي". وأشارت أزولاي إلي أن اليونسكو تدعم الفنانين والمبدعين والباحثين والصحفيين الذين يعملون على إعلاء شأن اللغة العربية، ولاسيما النساء مثل كوكب الشرق أم كلثوم (مصر)، وآمال المثلوثي (تونس)، والتي تعبر أغنيتها "كلمتي حرة" عن تطلع كافة أمم العالم إلى السلام والحرية. وتعتزم اليونسكو الاستعانة باللغة العربية من أجل الدفاع عن الكرامة والمساواة والحرية، ومن أجل تحقيق المساواة بين الرجال والنساء.. كما ستنظم اليونسكو، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، سلسلة من الأنشطة والحفلات والحلقات في مقرها بمدينة باريس وفي سائر أرجاء العالم من أجل التشجيع على البحث اللغوي وعلى تحديث المعاجم والقواميس العربية، وإبراز الروابط الموجودة بين اللغة العربية والعلوم، وكذلك الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيات الجديدة من أجل نشر هذه اللغة الجميلة وتعلمها. وينسجم هذا الاحتفال مع العقد الدولي للتقارب بين الثقافات (2013 - 2022)، والذي تعد اليونسكو الوكالة الرائدة فيه، إذ أن اللغة العربية لغة ثرية للغاية نظرا لما تحتويه من لهجات متعددة وروابط تاريخية قوية مع اللغات الأخرى التي تستعمل طرق كتابتها أو كانت قد استعملتها سابقا. ومن ناحية أخري، تعاني اللغة العربية في عصرنا الراهن من ضعف مساهمتها في المجال التكنولوجي، وذلك في الوقت الذي باتت فيه التكنولوجيا أهم ميزات عصرنا ومقومات الحياة فيه، حيث يستعمل كل الأفراد في العالم أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وشبكة الإنترنت، فيما ظلت اللغة العربية (لغة الضاد) قاصرة عن التواصل والإنتاج في هذا المجال، حيث تعاني من حواجز عديدة تعيق دخولها الفعال في دائرة التكنولوجيات الحديثة وعالم الرقمنة، مما يستدعي حلولا جذرية لتلافي هذا القصر. وبالرغم من التنامي الكبير الذي شهدته شبكة المعلومات الدولية والزيادة المضطردة في عدد مستخدمي الإنترنت عالميا، إلا أن الوضع لدينا في العالم العربي مازال يشهد حالة من الجمود والتخلف الشديدين، فطبقا لإحصائيات لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، فإن العدد الكلي العالمي للصفحات على الإنترنت يبلغ حوالي 40 مليار صفحة، وهو في تزايد مستمر، كما أن نصيب الصفحات العربية يبلغ حوالي 40 مليون صفحة فقط (أي بنسبة 1% من مجمل الصفحات الكلية).. وهذه النسبة المتواضعة جدا تبين مدى تراجع المحتوى العربي على الإنترنت، والذي يكاد يكون مغيبا تماما، مما يشير إلي أنه لا يعنينا أن يكون لنا وجود في ذلك الفضاء الرقمي الرحب والواسع. وبالرغم من أن اللغة العربية تعد إحدى اللغات الست المعتمدة في الأممالمتحدة، كما أن الناطقين بها يشكلون نسبة لا يستهان بها من سكان العالم، إلا أن حالة التراخي والتردي التي أصابت أصحاب هذه اللغة في كافة المناحي الثقافية والتكنولوجية والعلمية طالت أيضا وضعهم ومكانتهم في الفضاء الرقمي، بحيث أصبحنا نعيش في فجوة رقمية مريعة. وتشير الدراسات أيضا إلي أن نسبة العرب الذين يستخدمون شبكة الإنترنت بلغت حوالي 13.6%، بينما نجد أن مستخدمي الإنترنت في الدولة العبرية يتجاوز 66%، ناهيك عن الضعف الشديد في محتوى صفحات الإنترنت العربية، والتي تعتمد بشكل كبير على ما نشر وما تجود به وكالات الأنباء العالمية دون تدقيق، كما تعتمد على إعادة نشر ما نشر سابقا في مواقع مختلفة على الشبكة العنكبوتية. وهناك مجموعة من العوامل ينبغي البحث فيها لتحديد أسباب ضعف المحتوى العربي على الإنترنت، والتي هي وليدة الحالة العربية المتردية في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية.. والمؤسسة التعليمية العربية تتحمل جزءا كبيرا من مسؤليات العناية باللغة العربية، وهي من الأسباب المباشرة في ضعف اللغة العربية لدى التلاميذ والشباب، فضلا عن غزو اللغات الأجنبية للثقافة العربية ومؤسسات التعليم العالي. أما في مجال البحث العلمي والقدرة على إنتاج المعرفة وتخزينها في العالم العربي بوجود مراكز معلومات وأبحاث تساهم في حرية الاتصال والتواصل ومحو الأمية المعلوماتية وغيرها، فهي أمور تعكس حجم الضعف العربي وصعوبة القدرة ليس على تطوير الساحة الرقمية فقط وإنما كذلك التأثير في زيادة الفجوة الرقمية مع الدول المتقدمة، حيث أن المتصفح للمحتوى العربي على الإنترنت يلاحظ ركاكة اللغة العربية المستخدمة وتكرار عمليات النسخ والنقل من بعضها البعض وتفاهة المعلومات المنقولة والأخطاء الفادحة في الترجمة العلمية من اللغات الأجنبية إلى العربية. وبالنسبة لترجمة المصطلحات الأجنبية على الصفحات الرقمية العربية، فالكثير منها ترجمات مصطلحية خاطئة ولا تستند إلي قواعد مصطلحية، فضلا عن عدم توحيدها وكثرة الخلاف عليها من بلد لآخر، كما أن المصطلحات العربية على الإنترنت تكتب باللغة العامية مما يفتح المجال لانتشار ألفاظ غربية لا صلة لها باللغة العربية الفصحى، وتزيد فجوة الخلاف والفوضى في المصطلحات العلمية، خصوصا وأن الاتفاق العربي على المصطلحات لا يختلف كثيرا عن خلافاتهم السياسية. والمعرفة العالمية تنمو بسرعة مذهلة، كما أن اللغات الأخرى تواكب المتغيرات العلمية والتقنية من خلال العناية بها، فضلا عن تطويرها مصطلحيا ولفظيا وتقنيا.. وإذا كانت هناك بعض المبادرات أو المشاريع العربية في مجال تفعيل وتطوير المحتوى العربي على الإنترنت فإنها محاولات متواضعة محدودة الأثر، كما أن وضع اللغة العربية على شبكة المعلومات الدولية يتطلب منا جميعا المبادرة إلى تعزيز المحتوى العربي بكل جديد ونافع ومميز، ووضع تراثنا وثقافتنا العربية الأصيلة في متناول الجميع وأمام العالم بأجمعه، الذي تحول إلى قرية صغيرة مترامية الأطراف.