قد تبدو الكلمات مكررة ومستهلكة بعض الشىء ولكن الكاتب حين يؤمن بقضيته وعظمة وخطورة تأثيرها على وطنه ومجتمعه لا يمكن له ابدًا ان يمل من تكرار الحديث عنها والغوص فى أعماق أسبابها وظواهرها وكيفية علاجها.. إنها قضية الانفصال الروحى وفقدان الهوية لدى القاسم الاعظم من شباب مصر.. سنكتب كل يوم وكل ساعة حتى لا نصبح «نصف_شعب».!! منذ أيام قلائل خرج علينا تقرير التعداد السكانى للشعب المصرى ليزيد من عبء الكلمات ووقعها.. ففى بلد يبلغ عدد شبابه الصغار اكثر من نصف المجتمع يصبح لزامًا ان يتجه كل جهد المسئولين والمفكرين وأصحاب القلم وعشاق هذه الارض الطاهرة إلى دراسة هذه القضية الشائكة والجرح الغائر فى قلب الوطن.. «أين شبابنا منا واين نحن من شبابنا»..!! ظواهر غريبة ومستهجنة نشاهدها مؤخرًا بين شبابنا.. لن نتحدث عن السقوط الاخلاقى والدينى لدى البعض كالشذوذ والالحاد فهؤلاء قلة لا تستحق كثيرا التوقف عندها.. ولكن سنتحدث عن السقوط النفسى وفقدان الانتماء لدى اغلبية أبنائنا من الشباب الصغار خاصة ابناء الالفية الثالثة الذين نراهم كل يوم فى الطرقات والمدارس وعلى المقاهى.. أشاهدهم رأى العين كل صباح ومساء يضحكون فى صخب زائف حتى تشعر انهم حقا سعداء راضون متعايشون ولكن من عاش السنوات الماضية بين شباب مصر وتعلم لغتهم وادرك مفردات حياتهم يستطيع ان يقرأ بسهولة درجة التخبط والانسحاب النفسى التى أصابت هؤلاء حيث لا سعادة ولا حزن.. مجرد خواء وفراغ يعيشون فيه فى اعماقهم لا يجدون قدوة ولا يسعون لهدف إلا حرق الوقت واهداره اما بالنوم الطويل نهارًا وإما بالجلوس على المقاهى ليلًا فى مجموعات صاخبه لا يميز احدهم ما يقوله الاخر وانما مجرد صياح يشتت العقل ويمنعه من أن يفكر أو يتدبر.. انه الادمان الجديد الذى هربوا اليه ليُسقطوا عن كاهلهم أى عبء وأى مسئولية عما يحدث من حولهم وكانهم انسلخوا من جسد هذا الوطن المحمل بالهموم حتى لا تصيبهم اللعنات مثلما اصابت الكبار أو هكذا يتخيلون...! أبناؤنا غاضبون نافرون من كل شىء فى حالة لم تتواجد هكذا قبل الثورة أو بعدها.. انهم ناقمون على كل الاوضاع فى المنزل والمدرسةوالجامعة والوطن بأسره.. لماذا كل هذا الغضب فى الصدور.. لماذا يفرون من قلب الوطن ليصبحوا شعبا اخر له لغة مستقلة واهتمامات مغايرة وطموحات تنحصر دائمًا فى الهروب أو الهجرة.. اسئله بلا اجابه تحتاج إلى جهد وفكر كل علماء الاجتماع وعلم النفس والسياسة ليضعوا يدهم على كلمة السر فى هذا التحول النفسى الغريب لدى شبابنا الصغير خلال الفترة الاخيرة..! فى النهاية يظل شباب مصر هم الأمل الباقى فى الاستمرار والبقاء لهذا الوطن.. فلنجتهد الان على انهاء هذه الحالة من الرفض دون اسباب والغضب دون مقدمات والتى اصابت اغلب ابناء هذا الجيل الذى اصبح غريبًا علينا أو الذى لم نقدره حق تقديره حتى الآن فأهملناه طويلًا وسخرنا منه ومن قدراته وطموحاته واهتماماته وها هو اليوم يهملنا ويرد لنا القلم فيبتعد عنا وعن كل ما يخص الوطن ليحيا تائهًا شاردًا بعيدًا عن الجميع قانعًا بأنه لا شىء يهم الا ان يصبح سعيدًا ولو كذبًا أو بطريقته الخاصة أو حتى على حساب نفسه وحساب الوطن والاخرين..!!
إنه دورنا الآن أن ننزل اليهم بالفكر والحب والايادى الممدودة والآذان المنصتة لهم لنحاول ان نصل ما قطعناه وقطعوه ونجمع شتات الوطن من جديد على قلب رجل واحد كبارًا وصغارًا فلا مستقبل لنا ولا لهم الا بالتماسك والالتحام وتقريب وجهات النظر بين الاجيال وغرس قيم الانتماء والعطاء والمشاركة فى صدور وعقول هؤلاء الصغار أصحاب الغضب المكنون.. حفظ الله شباب مصر من الانسحاب والعزلة وفقدان الهوية وارشدنا إلى ردهم ردًا جميلًا إلى حضن الوطن الغالى.. اللهُم رشدًا وصوابًا.. اللهُم مِصر..!! ربما لا يدرى جيدًا أبناؤنا من الأجيال الجديدة التى لم تعاصر ملحمة انتصارات أكتوبر المجيدة الحجم الحقيقى لما حققه الجيش المصرى من بطولات على ساحة المعركة سطروها بدمائهم وأرواحهم دون تردد فداء لهذا الوطن العظيم